يصر المتطرفون الدينيون فى إسرائيل على إشعال الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ويتعمدون إثارة المشاعر وتفجير براكين الغضب فى العالمين العربى والإسلامى باعتداءاتهم المتكررة والمتصاعدة على المسجد الأقصى، وفى تطور خطير اقتحم المتطرفون مجددا المسجد الطهور، واعتدوا على حرمته، وهم يؤدون طقوسا تلمودية داخله، وفى السطور التالية نحاول فهم طبيعة مجتمع المتطرفين فى إسرائيل، ولماذا وكيف صعدوا إلى مراكز السيطرة، ومراقى التحكم فى دولة الاحتلال، وكيف يفكرون، ونتعرف على جذور مأساة صعود هؤلاء المتطرفين عبر كتاب المفكر والباحث د. أحمد فؤاد أنور، المتخصص فى الأدب العبرى والمجتمع الاسرائيلى الذى صدرت طبعة جديدة منه، وفيه حاول» أنور» تتبع جذور ما يحدث، ونحن بدورنا أردنا أن يدرك القراء أبعاد ما يرونه من أحداث مقلقة، وجرائم مزعجة بصحبة شيماء عمرو الباحثة فى الشئون الإسرائيلية. تشهد إسرائيل صعودا خطيراً للتيارات الدينية المتطرفة، و إشعالا للأوضاع من قبلهم ،كما تجلى فى اقتحام المسجد الأقصى من قبل وزير الأمن الإسرائيلى «إيتمار بن غفير»، ووزير المالية المتطرف «بتسلئيل سموتريتش»، وأكثر من 2000 مستوطن، بمناسبة ذكرى احتلال القدسالشرقية وسط خطابات تحريضية تدعو إلى احتلال غزة وتهويد القدس، ورفع أعلام الاحتلال وأداء طقوس تلمودية، هذه الأحداث ليست منعزلة، بل تعكس تحولاً عميقاً فى بنية المجتمع الإسرائيلى، حيث تتصاعد سيطرة التيار الديني-القومى على مؤسسات الدولة، مما يهدد بتفجير صراع داخلى بين المعسكرين:العلمانى والمتدين. فى هذا السياق يطرح كتاب «معارك الدين والعلمانية فى إسرائيل» للباحث د. أحمد فؤاد أنور أستاذ الفكر الصهيونى، بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية ، وعضو المجلس المصرى للشؤون الخارجية، الصادر عن دار الفنون للأبحاث العلمية، تحليلاً استشرافياً للصراع بين التيارين فى إسرائيل، مستنداً إلى رصد منهجى للصحف العبرية الكبرى (يديعوت أحرونوت، معاريف، هاآرتس) خلال الفترة من 2000 وما بعدها. وقد اختار المؤلف هذه الفترة لارتباطها بتحوّلات مفصلية بعد فشل كامب ديفيد-2، معتمداً على 166 اقتباساً صحفياً مختاراً بعناية.. تكمن أهمية الدراسة فى كشفها للبُعد الاجتماعى، والثقافى، والاقتصادى، والأمنى للصراع الإسرائيلى الداخلى، حيث تُظهر كيف تتحول الخلافات حول التعليم أو التشريعات إلى معارك مركبة (اقتصادية-دينية-قانونية)، كما تكشف عن تحوّل الصحف الإسرائيلية -رغم علمانيتها الظاهرة- إلى أدوات صراع تروّج لأجندات معينة. أُعِدَّت الدراسة وفق المنهج التحليلى الوصفى، ليتمكن المؤلف من عرض المواد الصحفية ذات الصلة وتحليلها، والاعتماد عليها فى الوصول إلى الأحكام والرؤى التى يستند إليها البحث. ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب رئيسة: يتتبع الأول جذور الصراع منذ حركة «الهسكالاه» (التنوير اليهودي) والحركة الصهيونية، بينما يحلل الثانى انعكاسات الخلافات فى المجالات الاجتماعية والأمنية، ويختص الثالث بالصراع الثقافى والتشريعى. ويقدّم الكتاب رؤية مثيرة للقلق: فالمتدينون المتطرفون ليسوا أقلية هامشية، بل قوة صاعدة تفرض إكراهاً دينياً متزايداً عبر تمثيلهم البرلمانى وسيطرتهم على مؤسسات حيوية (المحاكم الدينية، المدافن، المذابح)، ويحذّر المؤلف من احتمال وصول رئيس وزراء متدين، ما قد يفجّر صراعاً مفتوحاً مع العلمانيين حول هوية الدولة. لكن الدراسة تثير تساؤلات: هل هى معارك مؤجلة بين تيارين لكل منهما مصالحة، وأنصاره، ومخططاته المستقلة وحان وقت حسمها؟ وإلى أى مدى يؤثر الصراع بين المُعسكرين العلمانى والدينى فى إسرائيل على المشهد الراهن، وهل يمكن أن تكون للدول العربية أو على الأقل لفلسطينى ال 48 دور فيه أو على الأقل مراقبته بموضوعية وعمق؟ يظل الكتاب إضافة نوعية لفهم التحولات المجتمعية فى إسرائيل، إذ تُعد الدراسة استشرافية لمستقبل الخلافات بين العلمانيين والمتدينين فى إسرائيل من خلال رؤية الصحف محل الدراسة، وكذلك احتمالات التقارب بين المعسكرين وتأثير العوامل الخارجية عليه. مع ملاحظة أن رصد الواقع المعاصر للخلافات سعيًا للتنبؤ السليم للمستقبل، يتيح للباحث العربى وصانع القرار التخطيط على أسس علمية لإدارة الصراع والمواجهة أو التنافس والحوار. كذا يقدّم أدوات تحليلية للباحث العربى لفهم تداعيات هذه المعارك على الصراع العربي-الإسرائيلى، خاصة مع تصاعد النزعة الدينية المتطرفة التى قد تعيد تشكيل المشهد السياسى الإسرائيلى قريباً. وكشفت الدراسة عن أنه من غير المستبعد حدوث تقسيم للكيان الاسرائيلى ليصبح كيانين لهما استقلالية ما، على غرار «الصين»، و»تايوان»، ومن غير المستبعد أيضا أن تترجم القوى العلمانية داخل صفوف جيش الاحتلال تذمرها من التفرقة فى التعامل والواجبات بينهم وبين نظرائهم المتطرفين دينيا إلى خطوات عملية عنيفة، تعبيرا عن غضبهم، وقد رصدت الدراسة خلافا حول الميزانيات، وجدوى تخصيص مبالغ ضخمة لمؤسسات لاتخدم سوى المتطرفين المتشددين، وأكد الكتاب إلى أن هناك تأثيرا اقتصاديا خطيرا للحاخامات على المشاهير، ورجال الأعمال، واشارت الدراسة إلى تورط المتشددين دينيا فى جرائم اقتصادية بشكل متكرر، فالمتشدد دينيا غير مرتبط بالأخلاق الكريمة التى تدعو إليها كل الأديان السماوية.