بعد مرور أكثر من 12 سنة على نهاية حكم الإخوان، لا يزال السؤال مشروعًا: ماذا كان سيحدث لمصر لو استمرت هذه الجماعة فى الحكم؟، والإجابة ليست مجرد فرضية، بل قراءة واقعية لما حدث خلال عامهم القصير فى السلطة، وكاد يتفاقم ويتحول إلى كارثة وطنية ودولة منهارة. والسؤال الأهم: كيف يتعمق مفهوم الدولة المدنية، لمنع هذه الجماعات من العودة إلى المشهد مرة أخرى؟.. الإخوان لم يأتوا إلى الحكم بفكرة الدولة المدنية التى تسع الجميع، بل حملوا مشروعًا إقصائيا لا يرى فى الوطن سوى أداة لخدمة التنظيم. ولا يجب الانتظار حتى تتحرك الجماعة من جديد ثم تبدأ المواجهة، الوقاية خير من العلاج، بتجفيف منابع تلك الأفكار من جذورها والاستمرار فى كشف زيف خطابها، ولا تستفيد من ظاهرة النسيان. الاستمرار فى تصحيح المفاهيم واجب مقدس، وأن يفهم الجميع أن الدولة المدنية ليست ضد الدين، لكنها ضد مَن يستخدمه لأغراض سياسية، ومدنية الدولة لا تعنى إلغاء العقيدة، بل إن الجميع يعيش فى وطن واحد، متساوين فى الحقوق والواجبات، بلا تمييز ولا استثناء. لكننا ننسى.. كانت مصر لو استمر هذا السيناريو ستدخل نفقًا مظلمًا من الاستقطاب الدينى والسياسى، يعيد إنتاج مشاهد العنف والتناحر، وكانت المساجد ستتحول إلى بؤر للعنف، والمدارس إلى معامل لتفريخ متطرفين، كان الخلاف مع الجماعة سيُصنّف تلقائيًا كخروج عن الدين أو خيانة للوطن. توقفت مؤقتا لعبة التوظيف السياسى للدين، والدين مكانه القلب والضمير، وفى الانتخابات البرلمانية القادمة يجب تنفيذ القانون بشدة وعنف، وعدم السماح بعودة فتاوى التكفير والتخوين، نحن فى دولة ولسنا فى معركة باسم السماء. مصر فى أمَسّ الحاجة الى تأكيد مبدأ المواطنة فى وجدان الناس، ولا مواطنة حقيقية إذا كان الانسان يشعر بأنه أقل شأنًا بسبب دينه أو فكره، ونحتاج إلى مناهج تزرع الانتماء للوطن، لا للطائفة أو الجماعة، والطالب يجب أن يخرج من المدرسة وهو يعرف أن انتماءه الأول والأخير هو لمصر، وليس لأى راية دينية أو حزبية. والقانون فوق الجميع، لا جماعة تعلو عليه، ولا أحد يُعفى منه، والدولة المدنية تعنى ببساطة أن هناك دستورًا وقانونًا يُطبق على الجميع، وأن العدالة لا تُدار بالمزاج أو بالانتماء، بل بالقانون وحده. والمظلة هى حياة سياسية حقيقية، وأحزاب مدنية قوية وحوار مفتوح، وعندما يشعر المواطن أن لديه صوتًا ومكانًا فى وطنه، لن يحتاج إلى اللجوء لجماعة أو فكر متطرف، الإقصاء والتهميش هما بوابة التطرف. مصر لم تكن لتبقى كما نعرفها، بل كانت مرشحة للتحول إلى نموذج شبيه بدول مزقتها الطائفية، وانزلقت إلى الفوضى ودويلات داخل الدولة، وما أنقذ مصر فى 30 يونيو لم يكن فقط رفضًا لحكم الإخوان، بل كان دفاعًا عن جوهر الدولة نفسها، وكان إنقاذًا لوطن كاد يضيع بين أيدى جماعة لا تؤمن بالدولة، ولا تعرف معنى الوطن.