النوم ليس رفاهية، بل ضرورة لتوازن الجسم والعقل، حيث يحصل الجسم خلاله على فرصة لإصلاح الخلايا، وتنظيم الوظائف الحيوية، وتجديد النشاط البدنى والذهني، وتحسين الحالة النفسية. لكن عندما يفتقد النوم الجيد، يتحول إلى عبء يُنهك الجسد ويفتح الباب أمام مشكلات صحية ونفسية متعددة. ونظرًا لأن اضطرابات النوم لا تقتصر على عمر محدد، أنشأ قصر العيني أول عيادة متخصصة لعلاجها، لتقديم تشخيص دقيق وعلاج فعال لمشكلات مثل الأرق، وتوقف التنفس أثناء النوم، والمشى الليلى، والكوابيس المتكررة، وغيرها من الاضطرابات التى قد تثقل كاهل المريض دون أن يعرف مصدر معاناته. ◄ اضطرابات النوم حلقة مفرغة تؤثر على الصحة النفسية والجسدية ◄ ثقافة المصريين تتغير بالبحث عن علاج لاضطرابات النوم ◄ 30 إلى 45 % من البالغين يعانون من الأرق الليلي ◄ توقف التنفس يهدد الرجال وتململ الساقين يسرق نوم النساء التقت «آخرساعة» عددا من الأطباء القائمين على العيادة المتخصصة بمستشفى قصر العيني، للتعرف على أبرز اضطرابات النوم التى تواجه المرضى، وأساليب التشخيص والعلاج المتبعة داخل العيادة، لتمنح المرضى أملا فى استعادة الراحة والنوم الطبيعى بعد سنوات من المعاناة. بداية تتحدث الدكتورة عالية عادل صالح، أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة القاهرة، أن السنوات الأخيرة شهدت تغيرًا ملحوظًا فى نظرة المصريين لاضطرابات النوم، فلم تعد مشكلات مثل الأرق أو الشخير أو النوم المتقطع مجرد حالات عرضية يمكن تجاهلها، بل بدأ يتزايد الوعى بكونها أمراضا تستدعى التشخيص والعلاج، وهذا التحول انعكس فى ارتفاع عدد المرضى الذين يترددون على عيادة النوم بقصر العينى، للبحث عن حلول حقيقية تضمن لهم نوما صحيا ومريحا، حيث إن العيادة تضم معملًا مزودًا بأجهزة متقدمة مثل جهاز تخطيط النوم وجهاز رسم المخ، مما يساعد فى تشخيص الحالات بدقة ووضع خطط علاجية مناسبة، وتشمل الاضطرابات التى يتم التعامل معها فى العيادة الأرق بأنواعه المختلفة، خاصة المصاحب للقلق أو الاكتئاب، واضطرابات توقيت النوم، وتوقف التنفس الانسدادى، والمشى أثناء النوم، والفزع الليلى، والتبول اللاإرادى لدى الأطفال، فضلًا عن الحركات اللاإرادية مثل الجز على الأسنان أو اضطراب الساق المتململة، كما يتم التعامل مع حالات النعاس المفرط خلال النهار، التى قد تكون مؤشرًا على اضطرابات أعمق. ◄ النوم الفوضوى وتوضح أن من أكثر المشاكل التى تواجه المرضى هى النوم الفوضوى أو النوم غير المنتظم الناتج عن سلوكيات خاطئة، مثل السهر الطويل، أو الانشغال بالشاشات الإلكترونية قبل النوم، أو الاعتماد على المنبهات بشكل مفرط، وهذا النوع من النوم قد يؤدى إلى ظهور مشكلات نفسية مثل القلق والتوتر، فضلًا عن تأثيره السلبى على الجهاز المناعى والتركيز والإنتاجية. لذا يتم العلاج وتهيئة المريض للوصول لمرحلة النوم العميق وذلك من خلال الالتزام بسلوكيات نوم صحية، فضلا عن أنه من الضرورى استبعاد الأسباب العضوية مثل اضطرابات الغدة الدرقية أو الأنيميا الحادة أو نقص بعض الفيتامينات، وكذلك الأسباب النفسية كالاكتئاب والقلق، لأن علاج هذه الأسباب قد يكون مفتاحًا للوصول إلى نوم عميق ومريح، وفى بعض الحالات، يتم اللجوء إلى المكملات الغذائية أو بعض الأدوية النفسية تحت إشراف طبى، حسب احتياج كل حالة. ◄ النوم السطحي ومن المشكلات الشائعة التى تواجه الكثيرين ما يُعرف ب«النوم السطحي»، حيث يبدو أن الشخص نائم، لكن يظل عقله فى حالة نشاط دائم، هذا النوع من النوم لا يمنح الجسم الراحة المطلوبة، مما يؤدى إلى الاستيقاظ بإحساس بالإرهاق وفقدان التركيز، وترتبط هذه الحالة فى الغالب باضطرابات القلق أو الضغوط النفسية اليومية، وقد تحتاج إلى تقييم نفسى أو إجراء تخطيط للنوم للكشف عن وجود أسباب عضوية، وتؤكد على أهمية عدم الاستهانة بهذه المشكلة، لأن استمرارها قد يؤدى إلى تدهور الصحة النفسية والجسدية على المدى الطويل. ◄ المشي أثناء النوم ومن بين أبرز الحالات التى تتابعها العيادة، ما يحدث لدى الأطفال والمراهقين من اضطرابات مثل المشى أثناء النوم، حيث إن هذا النوع من الاضطراب يرتبط عادة بعوامل وراثية، ويحدث فى مرحلة النوم العميق، حيث يقوم الطفل بسلوكيات غير واعية كالمشى أو الحديث دون أن يدرك ما يفعله، ولا يتذكره لاحقًا، وتؤكد أهمية حماية الطفل فى هذه المرحلة من أى خطر محتمل، عبر تأمين الغرفة تمامًا ومنع وجود أى أدوات حادة أو أثاث يمكن أن يسبب له أذى وغالبًا ما تتحسن هذه الحالة تلقائيًا مع التقدم فى العمر، خصوصًا عند الوصول إلى سن المراهقة. ◄ توقف التنفس الانسدادي ومن الحالات التى تستدعى التدخل العاجل، حالة توقف التنفس الانسدادى أثناء النوم، التى تحدث نتيجة لانسداد ميكانيكى فى مجرى الهواء يحدث نتيجة لوجود ضيق وارتخاء للعضلات الخاصة بالجزء العلوى للجهاز التنفسى أثناء النوم، ما يؤدى إلى الشخير المصحوب بصوت مرتفع يصاحبه اختناق وأحيانا انخفاض فى نسبة الأكسجين. وتشير د. عالية إلى أن هذه المشكلة تنتشر بكثرة لدى الرجال، وترتبط بالسمنة والعادات الغذائية غير الصحية. ويتم تشخيص هذه الحالة من خلال دراسة تخطيط النوم التى توضح عدد مرات التوقف ومدى تأثيرها على التنفس، وفى الحالات المتوسطة أو الشديدة، يُنصح باستخدام جهاز الضغط الموجب، الذى يعمل على إبقاء المجرى التنفسى مفتوحًا طوال الليل، مما يساعد فى تحسين جودة النوم وحماية الجسم من مضاعفات خطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب. ◄ اقرأ أيضًا | بينها ضعف الدورة الدموية.. خطورة النوم بالجوارب ◄ تململ الساقين من جانبها، تؤكد الدكتورة إيمان عبدالرحيم، مدرس واستشارى الطب النفسى واستشارى طب النوم، بكلية الطب جامعة القاهرة، أن من بين اضطرابات النوم التى لا يعرفها كثيرون، تأتى متلازمة تململ الساقين، وهى حالة عصبية تتميز بشعور مزعج فى الساقين يُجبر المصاب على تحريكهما باستمرار، خاصة فى فترات الراحة أو قبل النوم، يتراوح الإحساس ما بين وخز أو حكة أو شد داخلى، ويزداد سوءًا فى الليل، ما يجعل الاستغراق فى النوم أمرًا بالغ الصعوبة. تصيب المتلازمة ما بين 5 إلى 10% من البالغين، وتكون أكثر شيوعًا بين النساء وكبار السن، وقد ترتبط بأسباب متعددة، منها نقص الحديد، الحمل، أو أمراض الكلى، كما قد تظهر دون سبب واضح، ورغم أن المتلازمة لا تعد مهددة للحياة، إلا أن تأثيرها على جودة النوم يمكن أن يكون شديدًا، مما يؤثر بدوره على النشاط والتركيز والصحة النفسية للمصاب. ◄ تأثيرات خطيرة وتشير إلى أن آثار اضطرابات النوم لا تقتصر فقط على الشعور بالإرهاق أو النعاس فقط، بل تمتد لتشمل معظم أجهزة الجسم، ما يجعلها عاملا خطرا حقيقيا للعديد من الأمراض المزمنة، فعلى مستوى الجهاز العصبى، يؤدى اضطراب النوم إلى ضعف التركيز والذاكرة، وتقلب المزاج، وزيادة فرص الإصابة بالاكتئاب والقلق. كما يتأثر الجهاز المناعى سلبًا، فيصبح الجسم أقل قدرة على مقاومة العدوى والأمراض، أما على القلب والأوعية الدموية، تعد قلة النوم من العوامل المسببة لارتفاع ضغط الدم وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية، كذلك يعانى الجهاز الهضمى من اضطرابات النوم، حيث ترتبط قلة النوم بزيادة الوزن والسمنة واضطرابات الأيض، حتى الجهاز التناسلى لا يسلم من التأثير، إذ قد يؤدى النوم غير الكافى إلى انخفاض مستويات الخصوبة لدى الرجال والنساء على حد سواء. ◄ نسب حول العالم وتشير إلى أن نسب انتشار اضطرابات النوم تختلف بشكل ملحوظ تبعًا لنوع الاضطراب، والعوامل العمرية، والجغرافية، بالإضافة إلى المعايير المستخدمة فى التشخيص، إلا أن التقديرات العامة تكشف عن أرقام مقلقة تعكس حجم المشكلة عالميًا. يعد الأرق من أكثر اضطرابات النوم شيوعًا، إذ يعانى منه نحو 30 إلى 45% من البالغين بشكل عرضى، بينما تصل نسبة المصابين بالأرق المزمن، الذى يتطلب تدخلاً طبيًا، إلى 10-15%، وتزداد هذه النسبة مع التقدم فى العمر، كما تُسجل معدلات أعلى بين النساء مقارنة بالرجال. أما انقطاع النفس الانسدادى أثناء النوم، فيؤثر على ما يقرب من 2 إلى 4% من البالغين بدرجات متوسطة إلى شديدة، إلا أن النسبة قد تكون أعلى إذا أُخذت الحالات الخفيفة فى الاعتبار، أما اضطراب النوم القهرى، فيعد من الحالات النادرة نسبيًا، إذ يؤثر فقط على نحو 0.02 إلى 0.05% من السكان. ◄ نصائح لتحسين جودة النوم ورغم خطورة اضطرابات النوم، تقول د.إيمان إن بعض التغييرات البسيطة فى نمط الحياة يمكن أن تُحدث فارقًا كبيرًا فى تحسين جودة النوم، ومن أبرز النصائح التى يوصى بها هى الالتزام بمواعيد نوم واستيقاظ ثابتة حتى فى العطلات، لضبط الساعة البيولوجية للجسم، تهيئة بيئة النوم لتكون هادئة، مظلمة، ومريحة، مع تجنب استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم، الامتناع عن الكافيين والوجبات الثقيلة قبل النوم بعدة ساعات، ممارسة النشاط البدنى بانتظام، لكن يُفضل تجنب التمارين الشديدة قبل النوم مباشرة، الاسترخاء قبل النوم من خلال القراءة أو التأمل أو التنفس العميق. وفى حال استمرار مشاكل النوم، تنصح بمراجعة طبيب مختص فى طب النوم، لتقييم الحالة وتحديد الأسباب المحتملة والعلاج المناسب.