«لولا العقول الشاكة النيرة التي ارتأت ما يخالف السائد، للف العالم ظلام دامس» الثلاثاء: ديمقراطية القراءة ربما كان اليقين المفرط فيما لدى كنيسة العصور الوسطى من ثوابت وأفكار سببا وجيها فى تأخر نضج العقل الإنساني، وتفسيره لظواهر الكون من حولنا والاستفادة منها، ولولا العقول الشاكة النيرة التى ارتأت ما يخالف اعتقادات كنيسة العصور الوسطى، للف العالم ظلام دامس، وما نعمنا بالمنجزات العلمية التى ساعدت فى صنع العقل الناضج، وتحملت تلك العقول النيرة الاضطهاد والتنكيل بها، بداية من إعدام العالم «جيرنوا بورنوا» حرقًا عام 1600 بتهمة الهرطقة ومخالفة ثوابت الكنيسة، بحديثه عن نظريات دوران الأرض، إلى اتهام العالم العربى المسلم «الكندي» بالخروج عن السائد وسجنه وتعذيبه وموته كمدا، وهو الذى اعتبره باحث عصر النهضة الإيطالى «جيرولامو كاردانو» واحدًا من أعظم العقول الاثنى عشر فى العصور الوسطى. وما فاضت به العقول النيرة قبل نهاية القرن الخامس عشر كسر الثوابت وبدد ظلام العالم، وأيقظ العقول، وبفضل المخترع الألمانى «يوهان جوتنبرج» (1397-1467) الذى اخترع آلة الطباعة باستخدام حروف الطباعة المنفصلة تم تعبيد الطريق للمخترعين لاكتشاف آلات جمع الحروف، وبذلك أمكن طباعة الحروف نهاية القرن التاسع عشر لتصبح الكلمات المكتوبة مباحة للجميع نهاية القرن الثامن عشر. وتدخل المطبعة إلى مصر بحروف ثلاث عربية وفرنسية ويونانية، مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر (1798-1801)، وتصدر الحملة فى القاهرة جريدتين باللغة الفرنسية، وحين تولى «محمد على» حكم مصر «1805» على أيدى المصريين أسس مطبعة بولاق «1819»، وكان أول إصدار لتلك المطبعة قاموس عربى إيطالي، وفى عام 1828 أصدر محمد على أول عدد من جريدة «الوقائع المصرية»، وبكر الزمن باتت الكتب والمجلات عنصرا مهما لنضج العقل والتدريب على فهم الحياة، وإضافة خبرات حياتية دون الخوض فى تلك التجارب، لكن الشرط الوحيد للوصول إلى ذلك هو «إجادة القراءة» المتاحة لكل فرد بشكل ديمقراطي. ولم ينس عصر التنوير أن هناك من لا يراهن على القراءة، ويعفها كسلا، فكانت إرهاصات الفيزيائى الإيطالى «ماركز ماركونى» (1879-1937) للتحسينات التى أدخلها على الإرسال التلغرافى اللاسلكى، بمثابة إرهاصات لبزوغ عصر «الراديو» هذا الجهاز العبقرى الذى تطور حتى أصبح فى حجم كف اليد، وتستمع فيه إلى كل أصوات وموجات العالم، وتم أول بث فى أمريكا عام «1920» ومن بعد فى مصر عام «1934»، وبذلك انتفى شرط عدم القراءة، وانضم جحافل الأميين زرافات وواحدانا إلى كتلة القراء. الأحد: بعيدا عن الفتوى أممُ المستقبل مُستعدة بأفرادها لتقبل كل جديدٍ، ومُعايشة الحياة المُتغيرة، لا كما تُصورها صفحات الماضي، ويرسمها التخيل البائس، فقد وُهبت لنا الحياة، ولم يكن لنا اختيار فيها سوى العيش على قوانينها التى لن نستطيع لها تبديلًا، ولا أستوعب كيف حتى الآن لم يدرك البعض أن الأمم المُستعدة للنهوض تضع الماضى فى المتاحف، تتأمله، وتدرسه، ولا يرسم لهم خطوات الحاضر، ولا يبين لهم معارج المستقبل، ولم يحفظوا أبدًا أنهم أعلم بأمور دنياهم المُتجددة. فالحياةُ لم تصمد على سيرتها الأولى كما وجد عليها الإنسان الأول ورآها، فغير الإنسان فيها وعدل فى ملامحها الأولى، وتزينت بإبداعه، لأنها خُلقت تكره الثبات، وتعشق التحول، ولم تتخلف يومًا عن التبدل، والتغير كما أراد لها خالقها سبحانه وتعالى، ونفخ فيها من روحه، وبات ناموسها التحول دومًا، وتحولها أشبه بالثبات فى إصراره على التبدل، والتلون والتغير، ومن لا يؤمن بحكمة الحياة ويُحاكيها فى تحولاتها المُدهشة، يبقى أبد الدهر عائشًا بين الحفر، فمنذ أن كانت صحراء جرداء لا نبت فيها ولا زرع يخاف إنسانها الليل، ويعشق النهار لا يستر جسده العارى شيئًا لم يهنأ حتى بدلها كما أراد لها الخالق وأراده خليفة يتحضر ويتطور ويبدع ويسيطر ويتملك. ولكن عقول البعض ترفض محاكاة الحياة فى تبدلها وتغيرها، وفضلوا العيش بين الحفر رافضين حقائقها المتبدلة دومًا، فتركتهم الحياة فى غياهب الجُبِّ مُتخلفين محصورين يقتلون بعضهم بعضًا، ويُكفرون بعضهم بعضًا، يظنون أن الخير كله فى القديم لقدمه، وحديثه بدعة وزيف وبهتان، يحاربون طواحين الهوا متحدين سنة الحياة فى التبدل والتغير. تغيير قناعاتنا أقرب طريق للمستقبل، ومسيرة ناموس الحياة أسلم طريق للمضى نحو المستقبل بلا تعثر، ودراسة ماضى الأمم لمعرفة كيف تقدمت يومًا، وليس للنقل، فكل عصر له آلياته، ووسائله، وما نجح وحقق تقدمًا بالأمس ليس بالضرورة صالحًا لليوم، والحقائق بنت وقتها، وحتمًا تتغير وتتبدل بتطور الرؤى، فالحقائق وقتية لزمانها تُدرس ولا تحفظ وتُكرر، ولنحسن الظن بالحياة صاحبة كل جديد، وما نفهمه منها اليوم ربما نرى غيره بعد غد، فلا شيء ثابتا، وكل شيء قابل للتبدل والتحول، إنها سنة الحياة، ولو أجهدنا أنفسنا قليلًا لرأينا وأدركنا كيف تتغير الدنيا وتتبدل أفكارها وتتحقق الظنون وتتحوَّل الأمانى المستحيلة إلى حقائق شاخصةٍ بين أيدينا، ولو تدبرنا مليًّا نجد الجديد يبلى والصغير يكبر والكبير إلى زوال، فلا شيء ثابتا ولا شيء نهائيا، فقانون الحياة أنها فى تبدل وتغير مُستمرين. فالبعض يعادى الحياة، ولا ينسجم بتغيرها وتبدلها، وصنع أكوام الجهل وعشوائيات التفكير، وبات يرفل فيها بعض من شبابنا ومتعلمينا، تعلموا تقديس القديم لقدمه والاستهانة بالحديث لجِدَّته، تعلموا الحفظ والتلقين، وأقاموا الاحتفالات للحفظ، لا للابتكار والتجديد، ونلوم جماعاتٍ على ما هى عليه، ونتعجب لمعاداتها كل طوائف المجتمع لفرض ما حفظته دون تدبر، متى نفهم أن معاداة العقل سر التخلف؟! الجمعة: صوت العقل كلما تحدثنا عن الزيادة السكانية يصمت الاقتصاديون وعلماء هندسة المجتمعات سكانيا، ويتسابق المشايخ ودعاة الفضائيات يسردون علينا أحاديث معادة مكررة بأن تنظيم النسل جائز شرعًا، وأن الْتِماس الزوجين لوسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما لا ينطبق على التحذير من قتل الأولاد خشية الإملاق لأنهم لم يتكونوا بعد! وعلى عجل يتسارع جحافل الطابور الخامس من شيوخ الجماعات المخفيين وفقهاء الزوايا فى القرى والنجوع وحتى فى بعض المناطق الشعبية معارضين بأن قتل النفس حرام، وكل واحد بييجى برزقه، ويستشهدون أيضا بالآيات على عدم جواز تحديد النسل، ويرفعون لواء الأحاديث خاصة حديث (استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك) فى وجه من يفتون بجواز تنظيم النسل ويدعون لعدم سماع الفتاوى الحكومية -كما يرددون-!!! وتصبح المشكلة قضية دينية خلافية ككل القضايا الدينية التى تنتج العديد من الآراء ونسمع فى النهاية من يقول استفت قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك...فى رأيى لو تمسكنا بتديين المشكلة، وقتلنا صوت العقل، فنحن بالتأكيد خاسرون والدليل رغم الفتاوى الدينية بجواز التنظيم لم يلتفت أحد وحظينا بخلافات فقهية وبزيادة سكانية غير مسبوقة نعانى منها، ومتوقع عام 2030 أن يصل تعداد السكان إلى نحو 130 مليون نسمة.. وما زلنا نجادل فى الفتوى! أقوال: ● لست قارئا ولا مثقفا لو انحصرت قراءاتك فيما يؤيد أفكارك فقط ● سُئل حكيم من سيقود العالم، فأجاب من يعرفون كيف يقرؤون ● ليس كل من يقرأ يفهم، ولكن يجب أن يقرأ الجميع ● الكتب الجيدة هى تلك التى تتحدث معك بعد أن تغلقها «ديستويفسكى»