بقلم - د.محمد فاروق الشوبكي الإنسان مجادل بطبعه والجدال سلاحه للدفاع عن أفكاره، فقد أمر الإسلام به للدفاع عن الحق الإسلامى مشروطًا بأن يكون بالتى هى أحسن فمرجعية العقل تهدف إلى إقناع المخاطب عبر توظيف ترسانة من الحجج والبراهين العقلية والاحتكام إليه؛ لفهمها وفهم علاقتها بموضوع الحوار. ومثال ذلك قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع قومه {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُون} الأنبياء:63. هناك آيات كثيرة توجه نظرنا إلى ضرورة إعمال العقل كقوله تعالى {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين} [الأنعام:11] فالهدف من تعدد الآيات التى تحثنا على إعمال عقلنا فى الكون تأملا وتدبرًا، هو جعلنا أمام عملية الخلق ومظاهرها المختلفة فى الكون وجهًا لوجه، ولذلك لم يذكر القرآن الكريم العقل، وذكر فعله، تسعًا وأربعين مرة، إذ فيم يغنى العقل إذا لم يكن وسيلة للتفكر والتدبر، وماذا يفيد إذا لم يتحول إلى فعل يومى؟! فالهدف ليس التنبيه على أن لنا عقلا، بل إلى أن لنا عقلا يجب أن يوظف فى غايات نبيلة تقربنا من الله عز وجل. إن الغاية هى أن نفقه سر الخلق ومنهجه: [انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون) [الأنعام:65]. ولا نكتفى بالفقه النظرى، بل نحوله إلى فقه واقعى حركى من خلال تصرفنا وفق ذلك الفقه؛ لأن الفوز الحقيقى لا يكمن فى التوصل إلى أسرار الكون، وحل إشكالياته الصعبة، بل يكمن فى الكيفية التى تحول بها تلك المعرفة بمظاهر الإحسان فى الكون إلى وسيلة لزحزحة أنفسنا عن النار، ذلك هو الفوز الحق، ولذلك عبر الله عنه بالفعل الماضى، وقدم عليه حرف التحقيق، وجعل ذلك كله فى جملة جواب الشرط: [فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ] [آل عمران:185].