مروان محمد كثرت فى الآونة الأخيرة الأعمال التى كُتبت بواسطة الذكاء الاصطناعى أو على الأقل تدخل فى صياغتها أسلوبياً بشكل أو بآخر، أصبحت هذه ظاهرة متكررة ومنتشرة فى الوقت الحالى، وقد ارتكن إليها عدد كبير من المهتمين بالكتابة الأدبية، بل إن البعض ممن يفتقر إلى أدنى مستويات القدرة على الكتابة الأدبية، أصبح الآن بإمكانهم أن يستعينوا به لعمل صياغة كاملة لعمل أدبى وجل ما يفعلونه أنهم يمدونه فقط بالفكرة العامة ومن ثم يشرع فى كتابتها كاملة. وبالتالى وبدلاً من أن يكون الطفل الذى ينمو عقلياً، كما رأيناه فى بداياته، أضحى فى الآونة الأخيرة أداة مخيفة بكافة المقاييس، قادرة هذه المرة على المنافسة الشرسة فى الكتابة الإبداعية لتتجاوز أقلاماً كثيرة ولكن هذا يدعونا للسؤال، ما هى هذه الأقلام التى يمكن للذكاء الاصطناعى تجاوزها؟ إنها أقلام معدومة الموهبة أو سطحية أو تكتب كتابات ضعيفة ومهترئة إلى حد ما، يمكن القول إن الآلة تستطيع التفوق عليها وإزاحتها جانباً. إذن أصبح لدينا منافس قوى للأقلام الضعيفة، حتى أن هذه الأقلام الضعيفة استشعرت قدرات الذكاء الاصطناعى وتفوقه عليها فقررت أن تلجأ إليه بشكل جزئى أو كلى للكتابة بدلاً عنها، وبالتالى أصبح العام الحالى 2025 متخماً بالكثير من الكتابات المنتجة بواسطته. هناك طوفان من الأعمال التى تحمل سمتاً ونمطاً واحداً على كل الأعمال المقدمة للنشر، كتبها قلم واحد فقط وهو الذكاء الاصطناعى، يحمل بصمته الآلية فى كل الكتابات التى قدمت للنشر خلال هذا العام . لن تكون فقط أغلفة الكتب هى التى تُنتج بواسطة الآلة ولكن القصص القصيرة والأشعار والخواطر النثرية والروايات وأيضاً الكتب الفكرية وبعض ما يزعم أصحابها أنها علمية أو دينية، ستكون مكتوبة بالكامل بواسطتها. وبالتالى أعتقد أن القارئ فى المستقبل القريب لن تكون لديه حاجة لأن يشترى كتابا يقرأه يعلم مسبقًا أن صاحبه كتبه بواسطة الذكاء الاصطناعى، سيكون القارئ وقتها انتقائياً إلى حد كبير، يريد موضوعات تشبهه أو تهمه هو فقط لا أن يفرضها عليه الكاتب وبالتالى سيستخدم الذكاء الاصطناعى ليفصِّل وقتها رواية له على مزاجه وعلى مقاس أحلامه! إذن هذا ينقلنا إلى السؤال التالى والأهم فى هذا السياق، ما هى الدلائل على أن هذا العمل قد كُتب بالذكاء الاصطناعى ولتكن الإجابة محددة ودقيقة فإن هناك عدداً من المؤشرات وهى كالتالى: الذكاء الاصطناعى يولد تركيبات لغوية نمطية مقولبة. لا يمكن له أن يولد تراكيب بلاغية معقدة. يعتمد نمط الإبهار فى صناعة الصور «الشعورية»، أى التى تعتمد على العاطفة ولكن ليس لديه الإمكانية للربط بينها. كذلك لا يستطيع أن يولد تجارب ذاتية شخصية عميقة تعتمد على عنصر العاطفة ولكن يولدها بشكل سطحى مباشر وأحياناً كثيرة ساذجة. لا يستطيع أن يولد مواقف وجودية معقدة، بمعنى آخر لا يستطيع أن يطرح أسئلة أو موضوعات فلسفية أو دينية أو فكرية معقدة ولكن يمكن أن يحيل إليها بشكل سطحى وباهت. لا يستطيع أن يمزج بين الإحالات الثقافية للبيئة المحلية أو لشخصية العمل فهذا العنصر يحتاج إلى تدخل بشرى مباشر لصنع هذه الإحالات. صناعة الحبكات لدى الذكاء الاصطناعى تعانى من عدم منطقية فى تطور الشخصيات أو تجدها دفعة واحدة تقفز فى المشاعر والقرارات دون أى تبريرات منطقية. الذكاء الاصطناعى يقوم باستنساخ أنماط كلاسيكية من مخزونه الضخم من أعمال أدبية عربية وعالمية وأيضاً إدخال مصطلحات تحمل سمتاً عالمياً ولا تخضع للخصوصية المحلية للكاتب إذا كان الكاتب يتناول عملاً عن بيئته المحلية. يكتب بأسلوب متزن لغوياً ولكنه لا يحمل أى ابتكارات أسلوبية بل نمطية جداً . كذلك لا يغامر ببناء سرد غير خطى زمنياً ولكنه يتبع خطاً زمنياً تصاعدياً . يولد مقاطع سردية تبدو منمقة ولكنها لا تحمل أى خصوصية لبصمة الكاتب فى السرد. مدرَّب على توليد حبكات نمطية مثل رحلة البطل فى الحياة ثم الخيانة ثم الصدمة ثم النجاح، عادة هذه حبكات مقولبة لديه يستخدمها كلما طُلِب منه كتابة عمل أدبى. نصوصه لا تستطيع وصف الروائح بشكل دقيق وخاصة الأطعمة، أو اللهجة المحلية لبلد الكاتب أو وضع إشارات ثقافية دقيقة للبيئة المحلية التى يدور فيها العمل. لا يستطيع توليد تقنية الدراما النفسية المتقلبة والتى تميز الإنسان عند طلب منه العمل على تطوير شخصية من شخصيات العمل الأدبى. يولد فى المجمل الجمل القصيرة ويمكن وصفها بالميكانيكية لأنها تفتقر إلى إيقاع داخلى أو موسيقى فى الجمل. النص البشرى فى مجمله دائماً ما يحمل عيوباً فى الأسلوب، اللغة، العناصر الفنية فى حين النص الآلى غالباً ما يكون مرتباً لكنه بلا سمت إنسانى وبالتالى فإن الكشف عن أساليب الذكاء الاصطناعى فى الكتابة الإبداعية ليس مهمة تقنية وحسب ولكنها تخضع أكثر للتذوق الإنسانى. وبما أن الأمر أضحى بهذه السهولة يعيدنا ذلك إلى تصورنا للقارئ بعد بدء حقبة الذكاء الاصطناعى، ما حاجة القارئ العادى لكاتب مبتدئ أو مهترئ يستخدم الذكاء الاصطناعى. القارئ العادى أيضا كما أسلفنا يستطيع أن يصنع المثل ويستخدم نفس الآلة ليفصل عملاً أدبياً على مقاس هواه ورغباته فليذهب عند إذن هذا الكاتب إلى الجحيم. أتصور أن من سيبقى على تلك الساحة فقط فيما بعدُ هم الكتَّاب المبدعون الذين سيحققون النصر على تلك الآلة رغم ما برعت فيه وتطورها خلال عامين كاملين. نعم ستظل سطوة الكتَّاب المبدعون الفنيون المتحققون هى الأعلى وذات اليد العليا على الآلة مهما تفوقت، فهى إن تفوقت ستتفوق فقط على أصحاب الأقلام المهترئة!