لا يجب أن نغفل القضاء على ظاهرة الباعة الجائلين، الصورة القبيحة التى تشوه قاهرة المعز، ونرجو المحافظ بما يملك من سلطات أن تختفى تمامًا. كانت «فسحتنا» فى صغرنا فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي هى التجول في شوارع وميادين القاهرة، وكورنيش النيل الجميل خاصة منطقة ماسبيرو، والحدائق العامة وكانت قمة فى الجمال والتنسيق والرقى. كانت والدتي عليها رحمة الله تخرج بنا أنا وإخوتي للفسحة، خاصة فى أيام العطلات، وكانت جولاتنا عادة ما تكون فى الأماكن الجميلة التى كانت القاهرة تزدحم بها، كان على رأس تلك الأماكن وأولها حديقة الأزبكية وحديقة الأسماك، كانتا قمة الجمال والروعة، وكانت الأوبرا قبل الحريق فى السبعينيات مركزاً للحضارة، وعلى أسوار الحديقة كان أشهر معارض الكتب، والذى كان يسمى سور الأزبكية، وكان مزاراً يؤمه المثقفون ورواد العلم، وكم حدثنى أستاذى الراحل جمال الغيطانى عن تأثير السور وما يحويه فى مسيرته الأدبية، باقتناء أمهات الكتب التى قطعاً شكلت وجدان الكثيرين، وأثرت فى ثقافاتهم وعلمهم. أسعدنى جداً ما أعلنته وزارة الإسكان على لسان وزيرها شريف الشربينى من إعادة تأهيل وتطوير شوارع وميادين القاهرة الخديوية، وعلى رأس ذلك التطوير حديقة الأزبكية، وهى التى تمتلك منذ عشرات السنين، منذ أنشئت أندر الأشجار والنباتات، ونافورة «تحفة» غاية فى الروعة، أهملت بجانب احتوائها على المبنى الأثرى لنادى السلاح المصرى، هو أيضاً تاريخ عريق، كنا نرى شوارع القاهرة «تلمع» من النظافة، وكانت سيارات الرش تجوبها ليلاً ونهاراً، تمسح بمياهها ما يعلق بها، لا تجد أى إشغالات أو من يلقى القمامة فى أى مكان، ومن كان يفعل ذلك فكأنما ارتكب جرماً، ومازلت أتذكر فترة الستينيات، كيف كانت المصالح والمنشآت الخاصة والحكومية تتزين كلها «بالكهارب»، تماماً كما نفعل الآن فى بعض شوارعنا فى رمضان، احتفالاً بالأعياد القومية أو الدينية، وشاهدت مواكب المحمل بكسوة الكعبة وهى تمر بفرحة من شرفة منزل جدتى بشارع الخليج بباب الخلق، ومواكب رؤية هلال رمضان، وكانت مسيرات ضخمة تصور حجم الاحتفالات، كانت القاهرة جميلة الجميلات، وكانت أشهر من باريس فى نظافتها، وتناسقها بشهادة العالم كله، وكم كتبت الصحف الأجنبية تؤكد ذلك، فقد كانت القاهرة تسبق عواصم العالم فى نظافتها وجمالها. المشروع، وإعادة القاهرة إلى سابق عصرها وإعادة الجمال والحياة لبعض المبانى التاريخية التى شوهتها أجهزة التكييف، أو اختفت واجهاتها خلف اللوحات الإعلانية، وجعلت منها مسخاً، وتطوير الميادين والشوارع المؤدية إليها مع المحاور الجديدة، قطعاً ستجعلنا نعيش الزمن الذى كانت فيه القاهرة عاصمة الجمال والحضارة. وعلمت من الدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة، أن الرئة الجديدة الممثلة فى تلال الفسطاط، والتى تبلغ مساحتها ما يقارب ال 480فداناً، بما تضم من حدائق ونشاطات ترفيهية وسياحية وثقافية، ستكون أكبر إضافة للقاهرة وتاريخها، وكذلك ما يتم من تطويرات بمنطقة القلعة والسيدة عائشة، وإحياء مسار آل البيت، وتطوير مساجدهم وجعلها مزارات، قطعاً إضافات للجمال، كذلك مشروعات القضاء على العشوائيات، التى كانت تحيط بالقاهرة، وتطوير منطقة مجرى العيون التاريخية من الأشياء التى أهملناها، وكان يجب إعادتها لحالها الأول، ولا يجب أن نغفل القضاء على ظاهرة الباعة الجائلين، الصورة القبيحة التى تشوه قاهرة المعز، وهو ما نرجو المحافظ بما يملك من سلطات وقدرات، أن تختفى تماماً، لأنها فعلاً صورة سيئة، يجب ألا تحتل شوارعنا، وتختفى خلفها مياديننا. مرحباً بالقاهرة الجميلة..