في ضربة قضائية قاصمة لجماعة الإخوان في تونس، أسدلت محكمة تونسية الستار مبدئيًا على واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل، والمعروفة إعلاميًا بملف «تسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر»، بإصدارها أحكام صارمة بحق عدد من قادة التنظيم، جاء ذلك بعد أيام فقط من صدور أحكام في قضية التآمر على أمن الدولة، التي تورط فيها عدد من القيادات البارزة في حركة النهضة الإخوانية، مما شكّل انتكاسة جديدة للجماعة التي فقدت حضورها في المشهد السياسي منذ عام 2021، التفاصيل في التقريرالتالي. أحكام رادعة بحق قيادات التنظيم، أصدرتها الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، أحكام بالسجن تراوحت بين 18 و36 عامًا بحق ثمانية متهمين بارزين في ملف التسفير، من أصل نحو 800 متهم لا تزال قضاياهم قيد التحقيق أو بانتظار المحاكمة، شملت الأحكام نائب رئيس حركة النهضة، علي العريض، بالسجن لمدة 34 عامًا، إلى جانب عدد من القيادات الأمنية السابقة المرتبطة بالحركة، وأعضاء في تنظيم «أنصار الشريعة» الإرهابي. تفكيك شبكة التسفير، من البرلمان إلى القضاء، هذا ملخص رؤية الكثير من المحللين السياسيين بتونس، حيث أكد الكثير واتجه نحو رأي أن القضية تمثل استجابة لمطلب شعبي طال انتظاره، بعد سنوات من الضغط السياسي والمجتمعي؛ إذ أن فترة حكم النهضة اتسمت ب»العبث بالبلاد»، حيث تم تعيين علي العريض على رأس وزارة الداخلية لتنفيذ أجندات مشبوهة، فعلي العريض يمتلك تاريخًا حافلًا بالإدانة؛ حيث سبق الحكم عليه بالإعدام مرتين في ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يشمله العفو، ليتقلد بعد الثورة المزعومة وما سمي آنذاك بثورات الربيع وما هي إلا كانت شتاءً قارصا دفعت ثمنه المنطقة الكثير من الفوضى والخراب والدمار ولا زالت المنطقة تعيش تداعيات ذلك إلى الآن، لهذا كان علي العريض الذي تقلد مناصب هامة في تونس أعادت إنتاج نفوذه داخل أجهزة الدولة. العدالة لن تتوقف وفي هذا الإطار صرحت النائبة السابقة فاطمة المسدي، التي قادت لجنة التحقيق البرلمانية في ملف التسفير، عن ارتياحها لصدور الأحكام، مشيرة إلى أن الانتصار ليس شخصيًا بل للحق ولدماء الشباب الذين زُج بهم في حروب لا علاقة لهم بها. كما كتبت المسدي على صفحتها الرسمية في فيسبوك: «منذ 2016 وأنا أحمل هذا الملف الثقيل رغم التهديدات والتشويه، اليوم تأكد أن كلمة الحق لا تموت، ولو طال الزمن». وكشف القطب القضائي لمكافحة الإرهاب؛ أن لائحة التهم تضمنت اتهامات ثقيلة طاردت وتطارد قيادات بارزة داخل الجماعة بتونس شملت: تكوين والانضمام إلى تنظيم إرهابي داخل تونس، استخدام الأراضي التونسية لتسهيل جرائم إرهابية في الخارج، تجنيد وتمويل سفر تونسيين إلى بؤر التوتر، التحريض على مغادرة البلاد للانضمام إلى جماعات مسلحة. وحول أبرز المدانين في القضية، يأتى على رأس القائمة، علي العريض نائب رئيس حركة النهضة، الذي سُجن 34 عامًا، وعلي العريض، هو من تولى وزارة الداخلية ثم رئاسة الحكومة بين 2011 و2014، وهي الفترة التي نشطت خلالها شبكات التسفير. أبرز المتهمين أيضا، نور الدين قندوز «قيادي سابق في النهضة»، 36 عامًا، وفتحي البلدي وعبد الكريم العبيدي «قياديان أمنيّان من المحسوبين على النهضة»، 26 عامًا، هشام السعدي، لطفي الهمامي، سيف الدين الرايس، وسامي الشعار، «قيادات في «أنصار الشريعة»، تراوحت الأحكام ضدهم بين 18 و36 عامًا. أنصار الشريعة.. الذراع المتطرفة برز في القضية أيضًا تنظيم «أنصار الشريعة» المصنّف إرهابيًا محليًا ودوليًا؛ إذ أظهرت التحقيقات وجود تعاون وثيق بينه وبين حركة النهضة، خصوصًا في فترات ما بعد الثورة، واعترف عدد من المتهمين بلعب أدوار محورية في الاستقطاب، والتدريب، وتسفير الشباب إلى سوريا وليبيا والعراق. وكان ابرز هؤلاء من قيادات أنصار الشريعة المتهمين: لطفي الهمامي، عضو بارز بالخلية التكفيرية لتنظيم أنصار بمنطقة «ديبوزفيل» بالعاصمة تونس، ومشرف على الخلية التي تقوم بتسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر وإعطاء الأوامر، وسبق أن قال في اعترافات سابقة: «من جهز غازيا كمن غزا». والمتهم، هشام السعدي الذي يلقب ب»أبي جهاد»، هو قيادي بارز بتنظيم انصار الشريعة، كان يدرس مع المتهم في قضية الاغتيالات: عبد الرؤوف الطالبي، حكم عليه بالإعدام في قضية اغتيال شكري بلعيد. يحمل الفكر الجهادي وتولى القيام بأعمال الاستقطاب والتحريض للجهاد في سوريا. ومن بين المتهمين أيضا سامي الشعار، مشرف على الخلية الإرهابية بمنطقتي «حمام غزاز» و»قليبية» بمحافظة نابل، شمال شرق، والتي كانت وراء تسفير الشباب للجهاد، قدم مساعدات مالية لجمعية «نماء»(المورطة في الإرهاب) وإلى تنظيم أنصار الشريعة، أيضا المتهم سيف الدين الرايس، المتحدث السابق باسم تنظيم «أنصار الشريعة» المحظور. ويذكر أن «أنصار الشريعة» في تونس، هي جماعة إرهابية كانت تسعى لإقامة الشريعة الإسلامية بالبلاد، ومصنفة منظمة إرهابية من قبل الحكومتين التونسية والأمريكية. عقدت مؤتمرها بالقيروان في 2012، حينها دعا إرهابي يدعى أبو عياض إلى ما أسماه «أسلمة» الإعلام التونسي والتعليم والسياحة والقطاعات التجارية، وإنشاء النقابات الإسلامية (لمواجهة الاتحاد العام التونسي للشغل العلماني)، وفي 27 أغسطس 2013، أدرجت الحكومة التونسية الجماعة على قائمة التنظيمات الإرهابية. بداية كشف الحقيقة تزامنًا مع انتهاء المرافعات التي استمرت أكثر من 18 ساعة، يُنظر إلى هذه الأحكام كخطوة أولى نحو كشف الشبكات التي جنّدت آلاف التونسيين للجماعات الإرهابية، وكانت وزيرة العدل ليلى جفال قد أكدت في وقت سابق أن ملف التسفير يضم نحو 800 متهم، ما يشير إلى أن العدالة التونسية ما زالت في بداية مسار طويل لكشف خيوط هذه الشبكة، وتحقيق العدالة للضحايا ولأسرهم. وفي سياق آخر، قضت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية في تونس، بسجن رجل الأعمال والمرشح الرئاسي السابق ياسين الشنوفي لمدة 5 سنوات، والحكم في قضية فساد مالي وتهريب وإضرار بأمن الدولة، جاء بعد تورطه سابقا في مخطط لإثارة الفوضى بالبلاد، أحبط في أكتوبر/تشرين الأول 2022. وقد كشفت السلطات أن المخطط كان يقوده نجل راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإخوانية، بالتنسيق مع ياسين الشنوفي وشقيقه. ولكن من هو ياسين الشنوفي؟، رجل أعمال معروف، خاض الانتخابات الرئاسية التونسية في عام 2014، وقد تم توقيفه سابقًا مع 9 رجال أعمال آخرين بارزين، بتهم تتعلق بالفساد المالي والتهريب والإضرار بأمن الدولة. وفي مايو 2020، أصدرت محكمة تونسية حكمًا بسجنه لمدة خمس سنوات بتهم تتعلق بالفساد وغسل الأموال، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 9 ملايين دينار تونسي «حوالي 3 ملايين دولار أمريكي»، في أكتوبر 2022، أعلنت السلطات التونسية عن إحباط مخطط لإثارة الفوضى في البلاد، شارك الشنوفي فيه بالتنسيق مع نجل راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، وشقيقه، تم توقيف الشنوفي ضمن مجموعة من رجال الأعمال البارزين بتهم تشمل الفساد المالي والتهريب والمسّ بأمن الدولة. اقرأ أيضا: ضياء رشوان: الإخوان استخدموا العنف الهيكلي والانقلاب عبر الصندوق