في قلب وادي الملوك، حيث شُيّدت مقابر الفراعنة والنبلاء، عُثر على رداء كتاني يعود لأكثر من 3500 عام، كان يخص «خع» أو «غا»، كبير المهندسين في عصر الدولة الحديثة. ما يثير الدهشة أن تصميم هذا الرداء لا يزال يُحاكى في الجلباب التقليدي الذي يرتديه أهالي الصعيد والريف المصري حتى يومنا هذا، مما يعكس استمرارية ثقافية مذهلة تربط بين الماضي والحاضر. ◄ «خع» كبير مهندسي وادي الملوك «خع» أو «غا» كان شخصية بارزة في عصر الدولة الحديثة، حيث تولى مسؤولية الإشراف على بناء المقابر الملكية في وادي الملوك. كان دوره محوريًا في تصميم وتنفيذ المقابر التي خُصصت لدفن الفراعنة والنبلاء، مما يعكس مكانته الرفيعة في المجتمع المصري القديم، ويؤكد على ثقته الملكية ومهاراته الهندسية. ◄ وصف الرداء الكتاني الرداء المصنوع من الكتان يتميز بتصميمه البسيط والعملي، حيث يتكون من قطعة قماش مستطيلة تُلف حول الجسد وتُثبت بحزام عند الخصر. التصميم يوفر الراحة والمرونة، وهو مثالي لظروف المناخ الحار في مصر. الرداء يعكس أيضًا الذوق الرفيع والاهتمام بالتفاصيل، إذ كانت أقمشة الكتان تُغزل بدقة متناهية في المصانع الملكية وتُقدم للمسؤولين الكبار كهدايا أو مستلزمات للمراسم. ◄ الكتان في مصر القديمة الكتان كان القماش الرئيسي المستخدم في مصر القديمة، نظرًا لتوافر نبات الكتان في وادي النيل. كانت النساء في الريف والمناطق الزراعية يغزلن الكتان يدويًا في منازلهن، وكان يُستخدم في صناعة الملابس والمفروشات وحتى الأكفان. تميز الكتان بخفته ومتانته، مما جعله القماش المفضل للملابس في المناخ المصري الحار. كما كان للكتان مكانة رمزية، حيث مثّل النقاء والخلود، واستُخدم في الطقوس الدينية. ◄ استمرارية التصميم في الجلباب الصعيدي التشابه بين رداء «خع» والجلباب الصعيدي المعاصر يبرز في التصميم البسيط والفضفاض، الذي يوفر الراحة والتهوية أثناء العمل أو التنقل. هذا التشابه يعكس استمرارية ثقافية مذهلة، حيث استمر هذا التصميم عبر العصور، مما يدل على فعاليته وتلاؤمه مع البيئة والمناخ المحلي. بل حتى طريقة ارتداء الرداء وتثبيته تشبه إلى حد كبير طريقة لبس الجلباب الصعيدي والريفي، خاصة في المناسبات الزراعية والدينية. ◄ الأهمية الثقافية للرداء رداء «خع» ليس مجرد قطعة ملابس، بل هو رمز للهوية والثقافة المصرية القديمة. تصميمه الذي استمر عبر العصور يعكس التقاليد والقيم التي كانت سائدة في المجتمع المصري، ويُظهر كيف أن بعض العناصر الثقافية يمكن أن تستمر وتتكيف مع الزمن. كما أن استمرارية هذا الرداء تؤكد على قدرة الشعب المصري في الحفاظ على بصمته الحضارية، حتى في تفاصيل الحياة اليومية. ◄ العلاقة بين الرداء والهندسة بما أن «خع» كان كبير المهندسين، فإن الرداء الذي ارتداه يعكس كذلك بعدًا وظيفيًا وهندسيًا في تصميمه. الرداء لم يكن فقط للزينة، بل صُمم ليتلاءم مع مهام عمله، خاصة في مناطق البناء والمعابد. التصميم الفضفاض ساعد على الحركة والعمل بحرية، مما يجسد التقاء الأناقة مع الوظيفة في الثقافة المصرية. اقرأ أيضا| أصل الحكاية| لوحة «خع».. تجسيد للطقوس الدينية والولاء الملكي في مصر القديمة الاهتمام بالحفاظ على مثل هذه القطع الأثرية يعزز من فهمنا للتاريخ والثقافة المصرية. من خلال دراسة هذه الملابس، يمكننا التعرف على أساليب الحياة والذوق الفني للمصريين القدماء، وكيف أثرت هذه العناصر على الأزياء المعاصرة. وجود هذا الرداء في المتاحف لا يسلط الضوء على تاريخه فقط، بل يلهم أيضًا المصممين المعاصرين لتوظيف التراث في الموضة الحديثة. ◄ صدى الرداء في الذاكرة الشعبية من الملاحظ أن الجلباب الصعيدي لا يُعد مجرد زي تقليدي بل يحمل في طياته قيمة رمزية. ففي حفلات الزفاف والاحتفالات الشعبية، يظهر الرجال وهم يرتدون هذا الزي كتعبير عن الفخر بالهوية والموروث. هذا الصدى الشعبي يذكرنا بأن تصاميم الأجداد ما زالت حيّة، تنبض بها تفاصيل الحياة اليومية، في الأسواق، في الحقول، وحتى في المناسبات الكبرى. رداء «خع» الكتاني يُعد مثالًا رائعًا على استمرارية التصميم والثقافة عبر العصور. من خلال هذا الرداء، نرى كيف أن عناصر من الماضي لا تزال حية في الحاضر، مما يعكس عمق وتأثير الحضارة المصرية القديمة على الثقافة المعاصرة. لم يكن الرداء مجرد ملبس بل كان تعبيرًا عن مكانة اجتماعية، أداء وظيفي، وتاريخ طويل من الاستمرارية والتجدد. وبينما نرى الجلباب الصعيدي اليوم، نراه امتدادًا لصيحة بدأها مهندسو وادي الملوك، ونفذها أجدادنا في "كميت" قبل آلاف السنين.