ما بين هزات الشرق وتقلّبات الغرب، تلوح قمة 19 مايو بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي كأنها لحظة اختبار لعلاقة حاول الجانبان طيّها، لكنها لم تمت. فخروج لندن من الاتحاد لم يُنهِ التشابك الجغرافي والسياسي بين الضفتين، لكنه كشف الحاجة إلى "علاقة جديدة" أكثر براجماتية أي واقعية عملية تُفضّل المصالح الأمنية والاقتصادية على الخلافات السياسية وأقل عاطفية. واليوم، يتغير المزاج الأوروبي تحت ضغط الحرب الروسية الأوكرانية، والارتباك الأمريكي المتصاعد في عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خاصة مع تهديداته المتكررة بإعادة النظر في دعم حلف شمال الأطلسي «الناتو». اقرأ أيضًا: المستشار الألماني الجديد: ملتزمون بأمن حدود الاتحاد الأوروبي في المقابل، لم تعد أوروبا تملك ترف الانتظار، وبريطانيا باتت مضطرة لإعادة ضبط موقعها، لا فقط كقوة بحرية عالمية، بل.. كركيزة أمنية لا غنى عنها في غرب القارة، وفقًا لمجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية. في ظل هذا السياق المتوتر، تتحول قمة لندن المنتظرة من محطة دبلوماسية إلى منصة استراتيجية قد تُطلق أول "وثبة سياسية" جديدة بين بريطانياوبروكسل بعد سنوات من الشك وسوء الفهم.. وربما تكون هذه المرة مختلفة، لأن الخطر مشترك، والمصير لم يعُد بعيدًا كما تخيّل الجميع. وتسلط «بوابة أخبار اليوم» في السطور التالية، الضوء، على تفاصيل الوضع الراهن في العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي تزداد تعقيدًا. لندن تعود إلى الطاولة الدبلوماسية في وقت تقود فيه ألمانيا وبولندا تحركات أوروبية لتعزيز الإنفاق الدفاعي، تُلوّح فرنساوبريطانيا، كأكبر قوتين عسكريتين في القارة، بعزم أكبر على تحمل مسؤوليات كانت توكَل تقليديًا للولايات المتحدة. ومع تعاظم الشكوك في التزام أمريكا بأمن أوروبا خاصة بعد تصريحات ترامب الأخيرة ضد الناتو بدأ رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، بدفع بلاده للانضمام إلى ما يُسمى ب"تحالف الراغبين"، الذي يضم أغلب أعضاء الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى دول مثل أوكرانيا، والنرويج، واليابان وأستراليا. تمويل أوروبي جديد للدفاع بحسب مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية، الاتحاد الأوروبي بصدد إطلاق صندوق دفاعي جديد قد يُقرض أعضائه ما يصل إلى 150 مليار يورو، مع برنامج صناعي دفاعي أوروبي. لكن اللافت أن فرنسا، رغم تحفّظاتها على إشراك غير الأعضاء، قد لا تتمكن من عرقلة هذا التوجه، فبحسب تشارلز جرانت، مدير مركز الإصلاح الأوروبي، تتزايد القناعة داخل ألمانيا وإيطاليا وأوروبا الشرقية أن بناء منظومة دفاعية من دون بريطانيا هو مجرّد وهم. هل يُفتح ملف التجارة مجددًا؟ وإذا تم التوصل إلى اتفاق في ملف الدفاع، فقد يكون ذلك نقطة انطلاق لتوسيع العلاقات الاقتصادية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فعلى سبيل المثال، يسعى كير ستارمر، إلى توقيع اتفاقية بيطرية لتقليل القيود على تجارة الأغذية. كما يسعى الاتحاد الأوروبي لإطلاق برنامج جديد لتبادل الشباب بين الدول الأعضاء، بالإضافة إلى إعادة انضمام بريطانيا إلى برنامج "إيراسموس" الذي يتيح للطلاب البريطانيين فرصة الدراسة أو التدريب في دول الاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه، يتفق الطرفان على أهمية تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، خصوصًا في مجال شبكات الكهرباء. مع ذلك، لا يبدو أن الطرفين مستعدان لتوسيع العلاقات بشكل جذري، فالمفوضية الأوروبية لا تزال متأثرة بمفاوضات بريكست الطويلة، وتخشى محاولات "انتقائية" من لندن للوصول إلى السوق الموحدة دون الالتزام الكامل بحرياتها الأربع (السلع، والخدمات، ورأس المال، والأشخاص)، من جهته، يخشى، رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، خسارة أصوات المؤيدين لخروج بريطانيا لصالح حزب نايجل فاراج. لكن تصرفات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، غير المتوقعة تضيف طبقة من الغموض على مستقبل العلاقات، فترامب كان دائمًا مؤيدًا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأظهر عداءً واضحًا تجاه الاتحاد، حيث سبق له أن وصفه بأنه مؤسسة تهدف إلى التحايل على مصالح أمريكا. بينما يُحاول كير ستارمر الموازنة بين الطرفين، لكنه يأمل أيضًا في اتفاق تجاري مع واشنطن، رغم أن مسؤولي البيت الأبيض يُرجّحون أن أي صفقة ستكون محدودة في نطاقها، ولن تؤدي إلى إلغاء الرسوم الجمركية الأساسية المفروضة. بريطانيا بين ضغوط القواعد الأمريكية وجاذبية السوق الأوروبية ويدفع بعض المحافظين البريطانيين نحو نموذج اقتصادي تحرّري على الطريقة الأمريكية، تدرك غالبية الشركات أن السوق الأوروبية هي الأهم، حسبما أشارت مجلة «ذا إيكونوميست». ولهذا يُطالب كثيرون بتوافق ديناميكي مع قواعد الاتحاد، حيث يرى سيمون فريزر، رئيس الخارجية البريطاني الأسبق، أن تعامل رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر مع ترامب ذكي، لكن الخطر أن يُفوّت الفرصة لإعادة تموضع استراتيجي نحو أوروبا. هل يُكرّر الاتحاد الأوروبي نفس الخطأ؟ الاتحاد الأوروبي أيضًا يواجه بعض التردد في علاقاته مع بريطانيا، رغم تحسن علاقاته مع كير ستارمر، خاصة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومن المتوقع أن يستمر هذا التقارب مع المستشار الألماني الجديد، فريدريش ميرز. لكن في الوقت نفسه، تمسّك بروكسل بالقواعد الصارمة والالتزام الكامل بها مقابل أي امتيازات يقدّمها، مما يُعيق التوصل إلى حلول وسط بين الطرفين. من المفارقات أن بروكسل وافقت مؤخرًا على اتفاق خاص مع سويسرا يُتيح لها الوصول الجزئي للسوق الموحدة، كما سمحت لأيرلندا الشمالية بالبقاء في السوق ذاتها دون الامتثال التام لكل الشروط. في المقابل، تُظهر صرامة مُفرطة تجاه لندن، كما أشار السير جوليان كينج، آخر مفوض بريطاني في الاتحاد، معتبرًا هذا الموقف غير منطقي استراتيجيًا، وفقًا لمجلة «ذا إيكونوميست».