في ظل تحولات كبيرة للسياسة الخارجية الأمريكية منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه في يناير 2025، يجد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر نفسه في وضع دقيق، محاولا الموازنة بين العلاقات مع واشنطن والتزامات بلاده تجاه أوروبا وأوكرانيا. لقاء المكتب البيضاوي وبدا المشهد إيجابيا عندما التقى ستارمر بترامب في المكتب البيضاوي مؤخرا، حيث قدم دعوة من الملك تشارلز لزيارة رسمية ثانية، وأشاد ترامب ب"لهجته الجميلة" وبالعلاقة الخاصة بين البلدين، إلا أنه كما نقلت صحيفة الجارديان البريطانية، كانت هناك قضايا مهمة ظلت بدون حلول واضحة، خاصة فيما يتعلق بالضمانات الأمنية لأوكرانيا في أي اتفاق سلام محتمل. وبعد أقل من 24 ساعة، تحول لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع ترامب في نفس المكان إلى مواجهة علنية، عندما حاول زيلينسكي مناقشة الضمانات الأمنية، فاتهمه ترامب بأنه "يقامر بحرب عالمية ثالثة". وانتهى اللقاء بشكل كارثي، حيث تم إلغاء الغداء المشترك والمؤتمر الصحفي وطُلب من زيلينسكي المغادرة. بين الولاءات المتصارعة صَرَّح ترامب أن أوكرانيا ستخسر الحرب "في أسبوعين" بدون المساعدة الأمريكية، بينما ذكّره زيلينسكي بأن بوتين كان يتوقع الاستيلاء على بلاده في "ثلاثة أيام" قبل 3 سنوات. وفي هذا السياق المتوتر، وجد ستارمر نفسه في موقف صعب إذ يحاول الحفاظ على علاقات وثيقة مع إدارة ترامب دون التخلي عن التزامات بريطانيا تجاه أوكرانيا. كما لاحظ أحد الوزراء البريطانيين للجارديان: "من الصعب حقا مواكبة كل هذا، أعتقد أن كير يكتشف مدى صعوبة دور الجسر بين ترامب وأوروبا". اجتماع لندن وبعد اللقاء المخيب مع ترامب، استضاف ستارمر زيلينسكي في لندن، وأصدر بيانا يميل بوضوح نحو الموقف الأوروبي: "بعد ثلاث سنوات من الغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا، نحن في نقطة تحول، اليوم سأؤكد من جديد دعمي الثابت لأوكرانيا وأضاعف التزامي بتوفير القدرة والتدريب والمساعدة لأوكرانيا، ووضعها في أقوى موقف ممكن". ثم استضاف اجتماعا ضم قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا والدنمارك ودول أخرى من خارج الاتحاد الأوروبي، في موقف يوضح توجهه للقيام بدور أكبر في السياسة الأوروبية رغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. دور قيادي جديد في أوروبا؟ ما يبدو مفارقة لافتة، كما تشير الجارديان، هو أن المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي "أصبح لديها بالفعل دور قيادي لتلعبه مرة أخرى في أوروبا"، فمع تراجع الدعم الأمريكي وتفكك اليقينيات حول التحالف عبر الأطلسي، تظهر بريطانيا كوسيط محتمل بين الضفتين. في الوقت نفسه، تظهر بوادر استقلالية أوروبية، حيث صرح فريدريش ميرز، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني والمستشار الألماني القادم، أن "أولويته المطلقة" هي تقوية أوروبا لتحقيق "الاستقلال عن الولاياتالمتحدة"، وهو تعبير نادرا ما كان السياسيون الأوروبيون البارزون يستخدمونه قبل أشهر قليلة. معضلة المستقبل دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي، وستنشر قريباً ورقة بيضاء استرشادية حول كيفية جمع 500 مليار يورو للإنفاق العسكري خلال العقد المقبل. وفي هذا السياق، يُنظر إلى تطوير اتفاقية أمنية وسياسة خارجية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة كأحد النتائج الواعدة للمرحلة المقبلة، إلا أن التحديات كبيرة وهي هل ستختار بريطانيا "الشراء الأوروبي" للأسلحة كما يريد بعض الدبلوماسيين الأوروبيين، متخلية عن الأسلحة الأمريكية، وهل ستستطيع أوروبا فعلا الوقوف مع أوكرانيا إذا انسحبت الولاياتالمتحدة. يجد ستارمر نفسه في قلب هذه المعادلة المعقدة، محاولا الاستفادة من العلاقة الخاصة مع واشنطن دون إغضاب الحلفاء الأوروبيين، وتأكيد دعم بريطانيالأوكرانيا دون استفزاز ترامب. كما قال دبلوماسي أوروبي كبير للجارديان: "إنها حقا لحظة مهمة في التاريخ". وتختتم الصحيفة البريطانية بالإشارة إلى أنه في هذا المناخ المتقلب، يسير رئيس الوزراء البريطاني على حبل مشدود، محاولا إيجاد مكان لبريطانيا في عالم ما بعد بريكست وما بعد الناتو التقليدي، في مهمة دبلوماسية قد تكون الأصعب على أي زعيم بريطاني منذ عقود.