الفيديو الذى سرق النوم من عيوننا لاثنين من البلطجية سائقى توك توك، يطرحان تلميذًا صغيرًا على الأرض، ويضربانه بقسوة بشومة والأحذية، والولد يصرخ ويحمى رأسه بيديه، ولا يجد من ينقذه. والسؤال الذى يحيرنى: بدون هذا الفيديو هل كانت الدنيا تتحرك لضبط الجناة واسترداد حق الولد الصغير الذى أبكانا؟. ومثله قضايا كثيرة لا ينال أصحابها حقوقهم إلا باللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعى. ولكن فى أحيان كثيرة تكون سوشيال ميديا شيطانًا، يستخدم أسلحة التشهير والابتزاز واغتيال سمعة الأبرياء، ويدفع البعض إلى الانتحار أو ارتكاب الجرائم، ولا يمكن السيطرة على ما تبثه من شائعات. نعترف أن السوشيال ميديا كانت البطل فى كشف كثير من وقائع الفساد والإهمال، وانتهاكات حقوق الإنسان، ولكن لا يغيب عن الأذهان التشهير والاغتيال المعنوى لأشخاص أبرياء، حُكم عليهم شعبيًا قبل أن يقول القانون كلمته، وأشهر الأمثلة كان اتهام طبيب شاب بالتحرّش واتضح لاحقًا أنها مفبركة، بعد أن تم بهدلته، والأمثلة كثيرة. الجميع أصبح قاضيًا والجمهور هو هيئة المحلفين، ولا حاجة إلى شهود أو أدلة إثبات، كل ما يحتاجه الأمر هو منشور مؤثر أو فيديو قصير، وسرعان ما تتحول القضية إلى «تريند»، وتبدأ موجة الأحكام والتعليقات، التى قد ترفع شخصًا إلى مرتبة البطولة، أو تهدم حياته بالكامل. والخطورة الكبرى تكمن فى أن ذاكرة الإنترنت لا تُمحى حتى إن ثبتت براءة شخص، ويظل اسمه على «جوجل»، وصورته مُرفقة بمنشورات الاتهام، وعدالة الإنترنت لا تمنح حق الدفاع ولا النسيان؟ ليست المشكلة فى المنصة ذاتها، بل فى كيفية استخدامها، فهى سلاح ذو حدين، يمكن أن تكون أداة لنشر الحقيقة أو منصة لترويج الأكاذيب، وهنا يأتى دور الإعلام المهنى والقانون والتربية الرقمية فى خلق وعى جديد يحترم الخصوصية، ويضع مسافة بين ما يُنشر وما يُصدّق. السوشيال ميديا ليست ملاكًا ولا شيطانًا، بل مرآة تعكس الوجوه والأفعال، من يبحث عن الحق تكون وسيلة لنصرته، أو ساحة للظلم الجماعى المقترن بغوغائية القطيع وعدم تحرى الصدق. إنها ساحة حقيقية للناس لكنها لن تكون عادلة إلا بتعظيم المسئولية، والمسئولية دون عقاب هى أسوأ أنواع الفوضى، والمواجهة تبدأ من القانون، وضرورة تشديد العقوبات على جرائم الابتزاز والتحريض الرقمى، وتوسيع صلاحيات أجهزة الأمن الإليكترونى لرصد المحتوى الخطير. والمجتمع مطالب بدوره، من خلال حملات التوعية ودعم خدمات الصحة النفسية، وتفعيل دور الأسرة فى التوجيه، والإعلام يجب أن يكون مسئولًا ولا يروّج للجريمة، ولا يحوّلها إلى محتوى مثير، بل فى سياق تربوى وإنسانى. إنقاذ أبنائنا ليس رفاهية، بل واجب وطنى وأخلاقى من المدرسة، بتثقيف التلاميذ حول مخاطر العنف وأهمية احترام الآخر، والأسرة هى خط الدفاع الأول بالرقابة الواعية والحوار المستمر والمراقبة دون تجسس.