مع تلك الزيادات المتعاقبة في خريجي الجامعات، بتلك التخصصات التقليدية، التي أصبح سوق العمل يعجز عن استيعاب معظمها، بل! تستطيع أن تجزم بأنه أصبح يلفظ بعضها، بات التطوير في مجالات التعليم أمراً ضرورياً، كما أصبح البحث عن حِيل لخلق فرص عمل جديدة لكثير من خريجي الجامعات أمراً شديد الأهمية. وقد برزت ريادة الأعمال كإحدى الحلول، بل يمكن القول إنها أصبحت تُعَد من ركائز التنمية الاقتصادية المستدامة المهمة في كثير من دول العالم، لا سيما المتقدمة منها. وليس من دليل على ذلك أكبر من كون ريادة الأعمال تسهم بأكثر من 50% من الاقتصاد القومي للولايات المتحدةالأمريكية، و 60% من الاقتصاد القومي للصين و70% في هونج كونج. وقد لحقت الدولة المصرية بركب ريادة الأعمال والتركيز على دعم البيئة الريادية واستحداث حاضنات الأعمال، التي تمثل بيوتاً للخبرات والدعم للمبتكرين ورواد الأعمال المبتدأين بكافة أشكاله. وإيماناً من الدولة بإن التعليم بمخرجاته المتعددة له دوره الكبير في هذا السياق، حيث تمثل المؤسسات التعليمية أهم محركات التقدم ونقل المعرفة والابتكار، كما إنها تعكس كيفية الاستفادة من الإمكانات والكفاءات في تبنّي الفكر الريادي، وغرس المهارات والسمات الريادية، من خلال أساليب منهجية متكاملة، تقود إلى إطلاق مشاريع ذات أثر اقتصادي ملموس، لذا كما جاءت التوجيهات الرئاسية بأن تولي الجامعات اهتماماً بالغاً بالاستثمار في عقول الشباب وأفكارهم الإبداعية وتشجيع ريادة الأعمال في المشاريع الناشئة، فضلاً عن تعزيز القدرات الريادية، وخلق الفرص، وتقديم الدعم المادي والمعرفي واللوجستي لها. وقد أدركت الجامعات المصرية إن الاهتمام النظري بمجالات واتجاهات ريادة الأعمال يجب أن ينعكس على خطط التنمية، من خلال توسيع قاعدة الابتكار في جميع القطاعات، وتوظيف التقنية في العديد من مناحي الحياة، ما يسهم في تحوّلها إلى اقتصاديات أكثر تنوعاً قائمة على الثروة المعرفية التي لا تنضب لخريجي الجامعات. كما أصبح من الضروري أن تسهم المؤسسات الحكومية والشركات في القطاع الخاص في دعم هذا التوجّه، من خلال الشراكات وإقامة الكثير من الفعاليات التي تحفز على الابتكار والإبداع وريادة الأعمال، مثل تنظم المعارض والمؤتمرات والندوات للباحثين وطلاب وطالبات التعليم العالي، فضلاً عن تنظيم المسابقات والبرامج التي تحفز الطلاب على الإبداع والابتكار. وإيماناً بالمسئولية فقد تبنت القيادة السياسية المصرية المبادرة الرئاسية «تحالف وتنمية» بغرض تعظيم دور الابتكار ومخرجات البحث العلمي في إطار الاستراتيجية الوطنية لوزارة التعليم العالي لتنفيذ برنامج عمل الحكومة المصرية 2024-2026 ورؤية مصر 2030، التي ترتكز على تكوين تحالفات لدعم الإبداع وريادة الأعمال بشراكة القطاعين العام والخاص، التي تقوم على عدد من المحاور، من بينها تعزيز فكرة التحالفات الإقليمية بين الجامعات والصناعة والهيئات الحكومية على مستوى الإقليم، ودور هذه التحالفات في بناء التنمية الشاملة، والخروج بخطط تنمية نابعة من الإقليم، بدراسات أجريت على أسس علمية، يمكن للحكومة تطبيقها ودمجها بخطط التنمية المستدامة، وليعمل كل تحالف في قطاع عمل محدد ومنطقة جغرافية معينة وإقليم محدد لإنتاج إبداعات عالية القيمة من أجل تحقيق نمو اقتصادي مرتفع. وقد بُنيت فلسفة المبادرة على أن ينفذ كل تحالف أنشطته في ضوء قوة الأسواق العالمية والتحديات المحلية، من خلال تنفيذ أنشطة إبداعية تعتمد على التفاعلات المكثفة بين الأعضاء وعلى مساهمتهم بالموارد البشرية والتكنولوجيا والمرافق والمعارف والخبرات، وذلك من أجل تعظيم الفائدة لكل منطقة جغرافية يمثلها التحالف. وقد تم تأسيس تحالفات سبع إقليمية على مستوى الدولة، يمثل كل تحالف منها محركاً للتنمية الاقتصادية في إقليمه ومستودعاً للأفكار الإبداعية والشركات الناجحة نحو خلق فرص العمل. ويمكن أن تتعاون وتتكامل التحالفات في مرحلة تالية من أجل تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة وتبادل الخبرات. وانطلاقاً من ادراك أهمية الشراكة مع الشركاء والمنظمات الدولية لدعم مشروعات ريادة الأعمال، أطلقت وزارة التعليم العالي مؤخراً النسخة الثانية من مبادرة «كن مستعدًا» تحت شعار «مليون مبتكر مؤهل» (Be Ready – 1M) التي تحظى بشراكة نخبة من الشركاء الدوليين والإقليميين، من بينهم منظمة العمل الدولية، ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، ومعهد الابتكار العالمي، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، وصندوق تطوير التعليم التابع لرئاسة مجلس الوزراء، بالإضافة إلى عدد من قيادات الوزارة والقيادات الأكاديمية وصُنّاع القرار ورواد الأعمال والإعلاميين. ولا شك إن ذلك يعكس إيمان الدولة بدور الشباب كمحرك رئيس للتنمية، والسعي لتأهيل مليون من طلاب الجامعات وحديثي التخرج وبناء قدراتهم، وفي هذا السياق، فقد تم إطلاق منصة رقمية متكاملة توفر مسارات متعددة للتأهيل المهني والابتكاري للشباب، وتقدم الدعم للطلاب من خلال منظومة شاملة ومتكاملة لتأهيلهم لسوق العمل. حفظ الله مصر وحفظ جامعاتها كانب المقال أستاذ نظم المعلومات الجغرافية بجامعة الفيوم، خبير التنمية المستدامة بمنظمة اليونسكو