مع إشراقة شمس يوم عيد العلم 13 ديسمبر 4102 طلع علينا فخامة رئيس الجمهورية بالمبادرة القومية التى فاقت أجمل خيال: »نحو بناء مجتمع مصرى يتعلم ويفكر ويبتكر« التى أرسى بها ملامح شخصية الإنسان المصرى الجديد، سعيا إلى تنمية الثروة البشرية الشابة، لكى تكون قادرة بدورها على المساهمة فى بناء مصر الحديثة، دولة عصرية قوية، على أسس من المعرفة كيانها العلوم والفنون والتكنولوجيا التى تقدمها الجامعات والمدارس، ومن أهمها برامج ريادة الأعمال، ذلك أن ريادة الأعمال تشكل القاعدة العلمية الأصيلة التى يتربى وينهض عليها طلائع الرياديين الذين يستهدفون إقامة المشروعات الإنتاجية الصغيرة لدى تخرجهم وانضمامهم إلى معترك الحياة. والسؤال هو من أين نشرع فى البناء؟ والجواب ببساطة هو من حيث انتهى الآخرون، والآخرون هم الدول التى حققت نجاحات عظيمة اكتسبت خبرات بلا حدود فى إقامة مجتمع واقتصاد المعرفة، أساسا بفضل المؤسسات التعليمية، مع توجيه الاهتمام الخاص إلى برامج ريادة الأعمال التى تخلق أجيال الرياديين الذين ينطلقون إلى مجالات الأعمال والإنتاج واقتناص الفرص المتاحة، وتطويع وتفعيل الموارد، فيتزايد ويتسع إنشاء المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر فى شتى أنشطة الحياة سواء كانت سلعا أو خدمات، فينتعش الاقتصاد الوطنى. ريادة الأعمال والرياديون والمشروعات الصغيرة »ريادة الأعمال» أو «الريادة»Entrepreneurship هى نتاج عصر المعرفة، ومحرك التقدم الاقتصادى للأمم، يعرفها Peter Drucker بأنها فعل الإبداع الذى يتضمن إعطاء الموارد الاقتصادية المتاحة القدرة على خلق ثروة وقيمة مضافة جديدة. كذلك فقد تولى المركز العالمى لمراقبة الريادة The Global Entrepreneurship Monitor تعريف ريادة الأعمال على أنها:»أى محاولة من أجل إنشاء مشروع خاص أو تكوين منشأة جديدة أو توسيع منشأة قائمة أو تأسيس أعمال تجارية جديدة تحقق سبقا وتلاقى طلبا». وريادة الأعمال تمثل إحدى المميزات التنافسية الهامة للمؤسسات الإنتاجية فى عالم اليوم. فلكى تنجح المؤسسة الإنتاجية فى تحقيق أغراضها، يجب أن تتبنى الرؤية التى تحفز على النهوض بالأعمال الريادية وتعتنق ثقافة وفكر الإبداع والابتكار. ولذلك فإن الريادة تحتاج إلى أشخاص لديهم التأهيل العلمى ويملكون من القدرات على الابتكار والابداع ومن الملكات والسمات الشخصية والمهارات الفكرية والمعرفية ما يمكنهم من إنشاء وإدارة مشروعاتهم بنجاح وتسهل لهم الانطلاق بهاعلى طريق الاستدامة، وهؤلاء هم الرياديون أو رواد الأعمال. وعلى هذا النحو يعرف الريادى بأنه ذلك الشخص الذى يسعى نحو خلق فرص جديدة للعمل والإنتاج غير معروفة من قبل لكسب الثروة، عن طريق طرح منتجات جديدة مبتكرة تجذب انتباه المستهلكين وتلبى حاجتهم ومشترياتهم، مما يمكن الريادى من الوجود فى الأسواق بفاعلية ويعود عليه بأرباح عالية، لذلك فقد أصبح الريادى اللاعب الأكثر أهمية فى اقتصاد اليوم فى شتى دول العالم . فالريادى هو شخص دينامكى جرىء لديه القدرة على المبادأة والابتكار والإبداع، وتحمل المخاطره المحسوبة، حريص على أن يأخذ قراره بنفسه وسط ما قد يعترضه من عقبات. غير أن الريادى ليس مقامرًا أو مغامرًا بلا حساب، بل هو يرتب وينظم ويدرس ويحلل ويخطط قبل أن يقبل المخاطرة من أجل اختراق السوق وإنشائه وكيفية تلبية احتياجات العملاء.. ولا مجال للقول بوجود أى تمييز من حيث الجنس بين الرياديين فهناك سيدات صاحبات أعمال ويمكنهن ريادة المشروعات بنجاح، بل إن هناك سبباً وجيهاً يجعل العديد من السيدات يلجأن إلى ريادة المشروعات، تحقيقاً للذات حيث إنهن يفضلن العمل الخاص حتى يشعرن أنهن قادرات على الإنجاز والتقدم والإبداع. وبالتالى فلا فرق فى تأثير النوع أو الجنس على الاتجاه نحو ريادة المشروعات. أما بالنسبة لتأثير التعليم على ريادة المشروعات، فإننا كثيراً ما نجد رياديين يقرأون ويكتبون بالكاد، كما قد نجد أيضا رياديين آخرين حاصلين على درجات علميه عالية، إلا أن الدرجة العلمية الأكثر ملاءمة للتأهيل الأساسى للريادى هى بكالوريوس ريادة الأعمال أو إدارة الأعمال مع دراسة دبلوم عال فى مجال التخصص . أما عن العلاقة بين ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة، فإن تعليم ونشر ثقافة ريادة الأعمال تعد سببا مباشرا لانطلاق أجيال الرياديين إلى مجالات الأعمال والإنتاج، الأمر الذى يؤدى إلى نشأة وانتشار المشروعات الصغيرة فى شتى مجالات الحياة سواء أكانت سلعا أو خدمات. وهكذا تلعب المشروعات الصغيرة دوراً بارزاً فى الاقتصاد الوطنى والأمن القومى للدولة، حيث إنها تلبى العديد من احتياجات المجتمع من سلع وخدمات، مما يعنى مساهمتها الفعالة فى الناتج المحلي، وتنشيط التجارة الداخلية، وتحفيز الصادرات، بالإضافة إلى أنها تفيد المجتمع عن طريق إيجاد فرص عمل للأفراد، وتقليل نسبة البطالة التى هى أحد أهم أسباب انحراف الشباب إلى الإرهاب والمخدرات والسرقات وغيرها من الجرائم . وكما قيل بحق إن تنمية المشروعات الصغيرة هى مسألة أمن قومى وتأتى على رأس المشروعات القومية للتنمية ويتعين ان تفرز لها خطة تحفيزية خاصة. عصر المعرفة - ودور الجامعات فى بناء شخصية رواد الأعمال منذ نهايات القرن العشرين ومع حلول عصر المعرفة، أدى انتشار الوعى فى كثير من دول العالم بخطورة دور المؤسسات التعليمية، فى تكوين وبناء شخصية الطالب وتنمية المقومات والخصائص الريادية فى ذاته، إلى أن صارت الجامعات فى العديد من الدول تتبارى فى غرس ملكات الإبداع والابتكار وتطوير مهارات ريادة الأعمال فى عقول طلابها بهدف إعداد خريجيها ليكونوا من الرياديين. ولعله من أفضل الأمثلة التى تعطى خبرة تُحتذى هى التجربة الإسكتلندية. ففى أوائل التسعينيات من القرن الماضى، استشعرت الحكومة الإسكتلندية بعض الكساد فى التجارة الداخلية والهبوط فى الأداء الاقتصادى المحلي. ومن ثَم قررت «الوكالة الحكومية لتطوير الاقتصاد - المشروعات الإسكتلندية» فى عام 1994 وضع استراتيجية للنهوض بالأعمال فى إسكتلندا من خلال عملية تطوير شاملة لتعليم ريادة الأعمال فى قطاع التعليم العالى فى إسكتلندا بهدف خلق الفكر الريادى فى عقول مجتمع الطلاب الأسكتلنديين، لحثهم على تفضيل خيار العمل الذاتى الحر عند التخرج بإنشاء المشروعات الصغيرة، وتحقيق احلامهم فى أعمال نابعة من وحى إبداعهم وابتكارهم. ولقد أثمرت هذه المبادرة الجريئة من «الوكالة الحكومية الإسكتلندية» وانتشرت المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر فى أرجاء اسكتلندا خلال عدة سنوات قليلة وأمكن إصلاح الاقتصاد المحلى وتنشيط التجارة الداخلية وتصدير فائض الناتج. ولذلك فإن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر لا يمكن أن تزدهر ويصب إنتاجها من السلع والخدمات سخاء رخاء فى وعاء الاقتصاد الوطنى، إلا فى مجتمع تنتشر فيه روح وثقافة الريادة وحب الأعمال الريادية ويتوفر فيه الرياديون أصحاب مواهب الإبداع والابتكار والتصور والتخيل والاستعداد للمخاطرة المحسوبة وإمكانية التطوير والتفكير النقدى واتخاذ القرار مع فهم آليات القدرة التنافسية فى السوق العالمى، فإنهم هم الذين يقودون نهضة إنشاء المشروعات الصغيرة فى بلادهم.. اتجاه السياسات التعليمية الوطنية فى العديد من الدول إلى إدخال برامج ريادة الأعمال فى جميع الفصول الدراسية. وبناءً عليه فإن الدخول إلى عصر واقتصاد المعرفة وما صاحبه من ازدهار علم وفن ريادة الأعمال وإقبال العديد من الجامعات فى الدول المتقدمة على إدخاله فى برامجها التعليمية- وتوضح الإحصاءات الحديثة أن عدد الكليات التى تدرس برامج ريادة الأعمال بالولايات المتحدة كان 16 كلية عام 1970، ثم زاد إلى 504 كليات عام 2001، ليصل إلى أكثر من 1100 كلية عام 2008- أدى إلى تعاظم أعداد الخريجين الرياديين، الأمر الذى ترتب عليه ازدهار المشروعات الصغيرة التى تصب إنتاجها لصالح الاقتصاد الوطنى ونظرا لدور المشروعات الصغيرة البالغ الأهمية، وأنها تمتلك مقومات ومزايا تشغيلية واقتصادية وإدارية ومالية لا تتوافر عادة للكيانات الاقتصادية الكبيرة. ولذلك تشكل هذه المشروعات الصغيرة اليوم محور اهتمام الإستراتيجيات والسياسات الوطنية الهادفة إلى تخفيض معدلات البطالة والنهوض بالاقتصاد الوطنى، فلقد بلغ عدد العاطلين حاليا فى مصر من سن 15 سنة فأكثر 4,2 مليون عاطل (الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء) . وبسبب انتشار البطالة دوليا شرع العديد من المنظمات الدولية وفى مقدمتها منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية وكذا البنك الدولى إلى رفع شعار الصناعات الصغيرة والمتوسطة لمحاربة البطالة فى مختلف الأمم. وقد نجحت دول متقدمة ونامية فى بناء نهضتها الاقتصادية خلال سنوات محدودة قبيل نهاية القرن العشرين بالاعتماد على المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، ومن هذه الدول على سبيل المثال: الصين وإيطاليا، وكوريا الجنوبية، والهند، وماليزيا، وإندونيسا ودول الميركوسول فى أمريكا اللاتينية، حيث قدمت نماذج ملهمة للدول للحاق بركب التقدم والحداثة. برامج تأهيل وتدريب الرياديين متطلبات السوق هى التى تحدد مواصفات الخريج التى يتم بناء عليها تطوير المناهج التعليمية . لذلك فإن تطوير المناهج لابد أن يرتبط بمواصفات الخريج الذى تحتاجه أسواقنا، وهو بشكل عام الخريج القادر على التفكير العلمى وعلى حل المشاكل، وإدارة الأزمات واتخاذ القرارات والتفكير بطريقة ابتكارية وإبداعية، ويكون قادراً على إنتاج المعرفة وليس استهلاكها بحيث يستطيع أن يصنع لنفسه عند تخرجه مشروعاً صغيراً يبدأ به حياته العملية بكفاءة وثقة بالنفس. مثل هذه المواصفات لا تتحقق مع الخريج الذى يدرس المناهج القائمة على التلقين والحفظ دون فهم وحشو المناهج بما لا يفيد. وفيما يلى نقدم أهم المواد العلمية التى يمكن أن تدخل فى برامج ريادة الأعمال: المحاسبة المالية - التسويق والترويج - تشريعات ريادة الأعمال - مبادئ الإدارة - الاقتصاد الكلى والجزئى - إستراتيجية إنشاء المشروعات الجديدة - ابتكار الأعمال ونظرية الإبداع - صياغة المشروعات - نظريات ريادة الأعمال - تصميم وإدارة المشروعات الصغيرة - تمويل المشروعات الصغيرة.. ونظرا لأن نشاط ريادة الأعمال يحتاج بطبيعته الى الاتصالات والمعلومات، لذلك من المحتم أن تكون لديه المهارات اللازمة لعمل الاتصالات وإجراء المفاوضات الشفهية والمكتوبة لكى يتمكن من حسن التعامل والتواصل مع عملائه ووكلائه ومستخدميه وغيرهم . وفى هذا النطاق سوف يحتاج الريادى إلى إتقان استخدام الكمبيوتر واللغة الإنجليزية على الأقل . فإذا اتجهنا نحو تطبيق ريادة الأعمال فإنه يجب أولاً إيجاد رواد الأعمال لا مشروعات الأعمال، وأن نغرس فى نفوسهم مفاهيم المبادرة، ومهارات الريادة، والتثقيف بآليات الابتكار، واتقان وسائل تحويل الفرص إلى مشروعات، ثم نتطلع بعد ذلك إلى المنجزات على أيديهم. وهكذا، فإن الجامعات المصرية، قادرة على أن تلعب دوراً مركزياً ومحورياً فى تغيير حياتنا عن طريق تأهيل طلابها على ابتكار الأفكار الجديدة وخلق فرص ريادة الأعمال المنتجة وإبداع المبتكرات فى كيان المشروعات الصغيرة، عن طريق إدخال ريادة الأعمال ضمن النظام التعليمى ومن ثم تساهم الجامعات فى إقامة وصقل لبنات المجتمع السليم الذى يبنى اقتصاد بلده وينمى التجارة الداخلية وتعظيم الصادرات السلعية والخدمية فيعتدل ميزان المدفوعات الوطنى.. هذه هى الفكرة.