حتى عندما تقول «يحيا العدل» فإنك تكون قد علقت على حكم القضاء، وتعرض نفسك للمساءلة. السبت: شغفى لا محدود بالقراءة وبخاصة لكتب التاريخ وتحديدًا فيما يتعلق بتاريخ مصر، ودائمًا كان يراودنى سؤال: لماذا لم يكتب الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابًا عن سيرة عبد الناصر، رغم أنه كان الأقرب إليه والمطلع على كل أسراره، والأجدر، فلا يستطيع أحد غيره القيام بهذه المهمة، وزعيم بقيمة وقامة ناصر كان يستحق ذلك، وحق القارئ على هيكل يحرضه على ذلك، إلى أن قادتنى الصدفة البحتة وشاهدت على اليوتيوب لقاء تليفزيونيًا للأستاذ هيكل أجراه عام 1996 مع المذيعة «جزيل خورى» فى التليفزيون اللبنانى، وسألته المذيعة السؤال الذى طالما راودنى، وسأكتب نص السؤال والإجابة كما أذيعت: -متى ستكتب سيرة عبد الناصر سيرة كاملة وليست متقطعة؟ =عيزانى أقولك بوضوح.. أنا عايز أكتب سيرة عبدالناصر كويس.. لكن أشعر.. أنا خلصت معظم معارك عبد الناصر الخارجية فى مجموعة حرب الثلاثين سنة، لكن فيما يتعلق بالداخل، وفيما يتعلق بالرجل شخصيًا، ممكن حد يتصور أنى هعمل عنه كتاب (glassy) يدارى على أخطائه ما أحبش أعمل ده لا ليا ولا ليه، فإذا عملتى حاجة صادقة وحقيقية، راضية عنها ويرضى عنها الناس بالمعنى الحقيقى لرضا الناس، مش الأهواء يعنى، فأنا خايف أوى لأنك ستتعرضى للسلبى والإيجابى، فى هذه الحالة هيسيبوا كل الإيجابى، وياخدوا اللى أنا قولته ويكون بعضه سلبى، ويكون ذلك ذخيرة فى مدافع موجهة ضد عبد الناصر، وأنا لست مستعدًا لهذا. هذا كان منطق الأستاذ الذى طالما تعلمنا منه أصول الكتابة، وإن الكاتب لابد أن يكون متجردًا عند الكتابة من أهوائه الشخصية، وإن ما يملكه من حقائق، ليست ملكه، ولكن ملك للقارئ وأمانة لابد أن تكون فى حوزة التاريخ محفوظة بين دفتى كتاب أو على صفحات الجرائد، خاصة أن هذا كان مبرره عندما أصدر كتابه «خريف الغضب» الذى روى فيه سيرة السادات، وعدّد فيه سلبياته، وشرّحه تشريحًا جائرًا وغاص فى أعماق أجداده ليقول إن جدة السادات كانت من العبيد! هذا بالإضافة إلى انتقاده الحاد لمواقفه السياسية، التى أثبت التاريخ صحة ووطنية هذه المواقف.. وبالمثل فعل مع الأستاذ مصطفى أمين فى كتابه «بين الصحافة والسياسة»، رغم أن التوأم مصطفى وعلى أمين هما من احتضناه فى بداية مشواره الصحفى، ووضعاه على أولى درجات سلم المجد! بصراحة حزنت عندما استمعت لإجابة الأستاذ هيكل، فقد كنت متصورًا أنه كان متجردًا من الأهواء الشخصية وهو يكتب، دون أن يكون مزدوج المعايير، أو هكذا تعلمنا منه. يا ليتنى ماعثرت على إجابة لسؤالى. الخميس: بدأت الخطوات العملية لتعديل قانون الإيجارات القديمة، تنفيذًا لحكم المحكمه الدستورية العليا، وأعتقد أن الحكومة والبرلمان أمامهما فرصة ذهبية لإصلاح ما أفسدته قوانين خمسينيات وستينيات القرن الماضى، التى أساءت وعقّدت العلاقة بين الطرفين، وكانت سببًا فيما نعانى منه الآن من أزمه إسكان، حيث صدرت ثلاثة قوانين متتالية خفضت فيها الإيجار 3 مرات: الأولى كانت 15٪ والثانية والثالثة 20٪ لكل مرة، وتعرض فيها الملاك لظلم بيّن، وترتب على ذلك عزوف ملاك العقارات عن طرح وحدات للإيجار، وبالتالى انخفاض المطروح من «الإيجارات»، وبروز ظاهرة التمليك،ومن كان يرغب فى تقديم وحداته للإيجار كان يحصل على «خلو رجل» وكان يصل لأرقام خيالية، ثم ظهرت بعدها صيغة جديدة وهى دفع مقدم كبير يخصم نصف الإيجار منه ويدفع المستأجر النصف الآخر كل شهر. وكان ذلك خلال فترة السبعينيات والثمانينيات والنصف الأول من التسعينيات حتى صدور قانون 96 الذى ترك العلاقة مفتوحة بين الطرفين يتفقان فيها على ما يشاءون من حيث قيمة الإيجار ومدته وأى بنود أخرى يتفقان عليها، فزاد المعروض نسبيًا، وتم فتح الشقق التى ظلت سنوات مغلقة. فإذا أراد المشرع أن يكون عادلًا فيجب أن يتم الأخذ بعين الاعتبار للمستأجرين الذين دفعوا دم قلبهم فى المقدمات والخلوات، وللأسف هذه المبالغ ليس لها أوراق مكتوبة! كما أن مسألة وجود مهلة يترك فيها المستأجر الشقة للمالك فهذا فيه إجحاف للمستأجر! أعلم أن هناك خبراء محنكين فى شئون الإسكان والإيجارات وسيتم التوصل إلى صيغة تحقق العدالة للطرفين دون الجور على حق أحد. الأربعاء: فى بداية مشوارى الصحفى كنت محررًا قضائيًا، وأول نصيحة تعلمتها من المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة، ومن المستشار عبد المجيد محمود المحامى العام لنيابة أمن الدولة العليا، أن شعار «يحيا العدل» بعد صدور أى حكم قضائى يعد تعليقا على أحكام القضاء، من منطلق أن من يملك حق المدح يملك القدح.. وأن الحكمة من النهى عن التعليق على أحكام القضاء حتى يظل القضاء مستقلًا وتظل العدالة معصوبة العينين، المثير للدهشة، أن هناك ظاهرة متفشية الآن هى التعليق على أى أحكام القضاء ليس بالإشادة ولكن بالنقد ويصل إلى حد الرفض العلنى لحكم القاضى الجليل، وهذا ما ظهر جليًا فى حادث (سبيدر مان) واسمحوا لى عدم ذكر اسم الطفل الذى اغتصبه ذئب بشرى فى مدرسة، أكثر من مرة.. وحكم عليه القاضى الجليل بعد أن استمع لكل الأطراف ومن بينهم الطفل الضحية الذى حضر الجلسة مرتديا زى (سبايدر مان) حتى يستر نفسه، وكانت هذه طريقة حكيمة من أمه للحفاظ على خصوصية ابنها، ولإصرارها على أن تأخذ حق ابنها بالقضاء.. ولى عدة ملاحظات مهمة متعلقة بهذه القضية: - رفض البعض للحكم وتعليقهم عليه بصورة سلبية فى بيانات علنية منشورة على وسائل التواصل الاجتماعى، دون أن يتم مساءلة هؤلاء الأشخاص قانونًا، وبخاصة أن هناك درجات تقاضٍ أخرى يمكن الاعتراض من خلالها. - غموض موقف الأطراف الاخرى التى جاء ذكرها فى القضيه ،وساعدت الجانى على ارتكاب فعلته. -عدم صدور بيان رسمى سريع من وزارة التعليم يوضح فيه الإجراءات التى سيتم اتخاذها تجاه المتورطين فى الجريمة. لابد من استخدام سلاح المصارحة والمكاشفة، لوأد أى فتنة فى مهدها، والضرب بيد من حديد على يد كل من يحاول إشعالها، أو التشكيك فى قضائنا الشامخ. ويبقى أن أرفع القبعة لأم (سبيادر مان) العظيمة التى لم تيأس وأعادت حق ابنها. تعمدت عدم ذكر اسم الضحية أو والدته، فهكذا تكون أصول مهنة الصحافة، وهذا ما نعلمه لأولادنا فى كليات الإعلام. الجمعة: كان الصديق الراحل صاحب القلم الرشيق كرم سنارة موسوعة أمثال، وكان يردد دائمًا مثلين: «بيحسدوا الأعمى على طول عصاه» ،»بيحسدوا الغجر على ضل الشجر»، وخلال الفترة الماضية وللأسف قابلت كثيرين ينطبق عليهم هذين المثلين، وأزيد عليهما هذه الحكاية المنقولة من كتب التراث، «كان يعيش رجل مع زوجته وأولاده فى بيت عبارة عن أربع حوائط وحصيرة و»زير» ويكملون «عشاهم نوم»، وفى يوم طلب الرجل من زوجته لملمة أشيائهم لمغادرة القرية الحاسد أهلها، فضحكت زوجته ساخرة من طلبه قائلة: «هو إحنا عندنا إيه يحسدونا عليه»، فقال لها سأثبت لك صحة كلامى، وطلب منها أن تخرج فى السوق وتقول إن زوجها سرق وسيتم إعدامه اليوم مع شهبندر التجار وأحد وزراء السلطان.. ففعلت وقبل تصل إلى بيتها سمعت بأذنها أناسًا فى السوق يقولون هذا الفقير الصعلوك محظوظ لأنه سيُعدم مع وزير وشهبندر التجار! فهرولت مسرعة للبيت واصطحبت زوجها وأولادها ولملمت الحصيرة وفروا من القرية «الحاسد» أهلها.. وقانا الله وإياكم شر الحسد والحاسدين.