في عالم تتجدد فيه الصراعات والنزاعات السياسية، تظهر الخطوط والحدود الدولية؛ كحلول ترسم علي الأرض تضع نهاية للنزاعات والحروب، ولكنها في أوقات كثيرة ليست غير خطوط وهمية، تحبس الأزمات بدلًا من حلها. تتجدد لتكون نقاط اشتعال دائمة، من أبرزها خط السيطرة بين باكستانوالهند بإقليم كشمير، أكثر المناطق اشتعالًا بالعالم وأعقدها إقليميًا في جنوب آسيا؛ حيث يشهد تبادل للمواجهات بين الطرفين بين الحين والآخر، مع تسجيل العديد من الخروقات للهدنة المعلنة بين الطرفين، إثر ثلاثة حروب، في سيناريو لا ينتهي من المواجهات. اقرأ أيضًا| الهند تعلن حظر واردات كافة السلع من باكستان خط السيطرة line of control أو وقف إطلاق النار يرجع تاريخه إلي ما قبل الحرب الهندية-الباكستانية، مع انقضاء الانتداب البريطاني عن شبه الجزيرة الهندية في توترات دامت أكثر من 200 عامًا، قسم خريطة الهند إلي ثلاث أقسام عام 1947، باكستانالغربية ذات الأغلبية المسلمة، وفي المنتصف الهند ذات الأغلبية الهندوسية، ثم باكستانالشرقية "ثم انفصلت لاحقًا لتصبح بنجلاديش عام 1971"، ما تسبب في موجات هجرة جماعية من العنف قدرت بنحو مليونين شخص. بعد استقلال الهندوباكستان، اندلعت الحرب الهندية-الباكستانية الأولى في أكتوبر عام 1947، خشية ضم ماهاراجا ولاية جامو وكشمير الأميرية إلى الهند، بعد التقسيم، مُنحت الولايات الأميرية حرية اختيار إذا ما كانت ستنضم إلى الهند أو باكستان أو أن تبقى مستقلة، وكانت جامو وكشمير، أكبر الولايات الأميرية، تضم غالبية مسلمة ونسبة من السكان الهندوس، وكانت جميعها تحت حكم الماهاراجا الهندي هاري سنجه. استمرت الحرب حتى ينايرعام 1949، وتدخلت الأممالمتحدة في عام 1949، ورسمت خطًا سمي بخط "وقف إطلاق النار" في الإقليم، والذي قسمه فعليًا إلى منطقتين، ثلثا الإقليم تحت الإدارة الهندية، والثلث الأخير تحت الإدارة الباكستانية، وذلك كحل مؤقت للنزاع. وعقب حرب 1971، أعيد ترسيمه وتسميته ب" خط السيطرة" بموجب اتفاقية شملا الموقعة عام 1972. لماذا التنازع؟ يعود الخلاف حول مطالبة الثوار الكشميريين الحكومة الهندية بالحكم الذاتي المحلي، والمطالبة بتقرير المصير. خاصة في وادي كشمير ذات الاغلبية المسلمة، والذي شهد تصاعدًا في التوتر منذ أواخر الثمانينات، وقد جاءت الثورة المسلحة عام 1988 كرد فعل على تراجع الإصلاحات الديمقراطية، والانتخابات المثيرة للجدل في 1987، والتي ولّدت شعورًا واسعًا بالإقصاء السياسي. ورغم فترات التصعيد التي خلفت آلاف القتلى، تراجعت حدة العنف في السنوات الأخيرة، مع استمرار الاحتجاجات والمواجهات المتكررة بين المدنيين والقوات الهندية، وقد شهدت انتخابات عامي 2008 و2014 مشاركة مرتفعة، فُسّرت من قبل بعض المحللين كمؤشر على دعم شعبي جزئي للهند، بينما اعتبرها آخرون تصويتًا على الخدمات الأساسية لا الموقف السياسي. في المقابل، أظهرت استطلاعات رأي أن أغلبية سكان وادي كشمير يفضلون الاستقلال عن الهندوباكستان معًا، في حين يميل الهندوس في جامو والبوذيون في لاداخ إلى البقاء ضمن الهند. اقرأ أيضًا| جنة تحيط بها النيران | إقليم كشمير.. تاريخ من الصراع بين الهندوباكستان أين خط السيطرة؟ يمتد على مسافة تُقدّر بنحو 740 كيلومترًا، بدءًا من النقطة الجليدية الشمالية NJ9842 قرب سياتشن، وصولًا إلى مناطق جنوبية قريبة من ولاية البنجاب، وعلى الرغم من كونه لا يُعد حدودًا دولية معترفًا بها، إلا أنه يرسخ تقسيمًا جغرافيًا وعسكريًا مستمرًا منذ عقود، وسط فشل جهود الوساطة الدولية، أمام مطالبة كل طرف بأحقيته فيه ومنح الإقليم حق تقرير المصير. لعنة الصراع تحاصر جغرافيا الموقع رغم الموقع الاستراتيجي الهام لإقليم كشمير في جنوب آسيا، إلا أنه كان نقمة علي سكانه بسبب تناحر القوي الإقليمية عليه. إذ تحيط به الصين من الشرق والشمال الشرقي، وأفغانستان من الشمال الغربي، وباكستان من الغرب والجنوب الغربي، والهند في الجنوب، تبلغ مساحته حوالي (84471) ميلاً مربعًا، ويشكل فيه المسلمين أكثر من 90% من السكان. ويعد الإقليم ذات أهمية إستراتيجية الهند والتي تسعي بأن تكون قوة اقتصادية كبري؛ حيث ترتبط قضية كشمير بتوازن القوى في جنوب آسيا، وبالأخص بين الهندوالصين ذات الاقتصاد الثاني عالميًا، حيث تحكم الأخيرة منطقة ديمشوك، ووادي شاكسجام، ومنطقة أكساي شن، وتنازعها الهند على هذه الأقاليم التي تدعي الصين امتلاكها منذ استيلاء الصين على أكساي شن خلال الحرب الهنديةالصينية عام 1962. أما أهميته لباكستان فجغرافية وسكانية، حيث تنبع أنهار باكستان الثلاثة (السند وجليم وجناب) منه، وتنفتح الحدود بين باكستان والإقليم وهو ما يُشكل تهديدًا للأمن القومي الباكستاني في حالة سيطرة الهند عليه. ويُضاف إلى ذلك أن مصالح الإقليم الاقتصادية وارتباطاته السكانية قوية بباكستان، فالإقليم ليس له ميناء إلا كراتشيالباكستاني، فضلا عن تقارب السكان الديني والعائلي. ويعد ملف المياه بينهما من أكثر الملفات حساسية، إذ تشكل الأنهار المتدفقة من إقليم كشمير شريانًا حيويًا لباكستان، التي تعتمد بشكل رئيسي على مياه أنهار السند وروافده، وفق اتفاقية نهر السند عام 1960، وبرعاية البنك الدولي، وفيها تمنح الهند حق الاستخدام المحدود للأنهار الشرقية بينما ضمنت لباكستان السيطرة علي الأنهار الغربية. ومع تصاعد التوترات السياسية تلوح الهند مرارًا، بإعادة النظر بالاتفاقية أو تقليص تدفق المياه، ما اعتبرته باكستان تهديدًا لأمنها، ما قد يشعل صراعًا نوويًا بين القوتين. اقرأ أيضًا| الهند تحظر قنوات باكستانية على وسائل التواصل الاجتماعي