في مثل هذا اليوم، 3 مايو 1931، وُلد في مدينة الزقازيق واحد من أبرز رموز الحداثة الشعرية في العالم العربي، الشاعر والمفكر الكبير صلاح عبد الصبور، الذي لم يكن مجرد صاحب تجربة شعرية فريدة، بل مؤسسًا لرؤية إبداعية ونقدية تركت أثرًا عميقًا في الأجيال اللاحقة، خاصة في مجال الشعر الحر والمسرح الشعري. حمل عبد الصبور الشعر العربي من كلاسيكيته المألوفة إلى فضاءات جديدة، تمزج الذاتي بالوطني، والفلسفي بالواقعي، والتراثي بالحداثي. وإلى جانب عطائه الشعري، لعب دورًا مهمًا في الحياة الثقافية المصرية عبر مناصب بارزة، منها رئاسة الهيئة العامة للكتاب ووكالة وزارة الثقافة، كما شغل مواقع تحريرية مؤثرة في صحف ومجلات كبرى مثل الأهرام وروز اليوسف. ■ البدايات والرحلة الأدبية بدأت الملامح الأولى لموهبة صلاح عبد الصبور تتشكل خلال دراسته بكلية الآداب – جامعة القاهرة، قسم اللغة العربية، عام 1947، حيث تتلمذ على يد الشيخ أمين الخولي. تأثر بالحركة النقدية الجديدة، وانخرط في جماعات أدبية وثقافية ساهمت في تشكيل وعيه. بدأ عمله مدرسًا، لكنه سرعان ما اتجه للصحافة والثقافة، حيث وجد ذاته الحقيقية، وتفرغ للكتابة التي عاش لها ومات من أجلها. ■ شاعر التحولات: من القصيدة إلى المسرح يُعد ديوانه الأول "الناس في بلادي" (1957) علامة فارقة في الشعر العربي الحديث، بما قدمه من لغة يومية، وصور حية، وحس ساخر ممزوج بالحزن، فتح به بابًا جديدًا لجيل من الشعراء الذين تلوه. وتوالت دواوينه: أقول لكم (1961) أحلام الفارس القديم (1964) تأملات في زمن جريح (1970) شجر الليل (1973) الإبحار في الذاكرة (1977) أما على صعيد المسرح، فقد قدّم خمسة نصوص شعرية بارزة، أبرزها "مأساة الحلاج" (1964) التي نال عنها جائزة الدولة التشجيعية، إلى جانب "مسافر ليل"، و**"ليلى والمجنون"، و"بعد أن يموت الملك"**. ■ ثقافته الواسعة وتأثره بالتراث والحداثة تميّز عبد الصبور بثقافة موسوعية؛ تأثر بالصوفية (الحلاج، بشر الحافي)، والأدب الإنجليزي (ت. س. إليوت، كيتس، شكسبير)، والشعر الرمزي الأوروبي، فضلًا عن مسرح العبث وكتّابه أمثال أونيسكو ولوركا، الذي تعاون مع أعماله في ترجمة نصوص مغنّاة مثل "يرما". ■ موقفه من الثقافة والسلطة تولى عبد الصبور عدة مناصب ثقافية مهمة، أبرزها رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكان له دور فاعل في إطلاق مجلة "فصول" للنقد الأدبي، كما اشتهر برؤيته النقدية للشعر من خلال كتابه الهام "حياتي في الشعر". ورغم أنه كان من الشخصيات المحايدة حزبيًا، فإن كتاباته حملت بُعدًا سياسيًا ناقدًا دون أن تسقط في الشعاراتية، مؤمنًا بأن دور المثقف هو التعبير عن الضمير الجمعي لا ترديد الخطابات الرسمية. ■ وفاة مباغتة وميراث خالد في 13 أغسطس 1981، غيّب الموت صلاح عبد الصبور إثر أزمة قلبية مفاجئة، بعد مشادة كلامية في منزل الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وقد أثيرت آنذاك روايات متباينة حول ظروف وفاته، لكن المؤكد أنه رحل في ذروة عطائه الفكري والإبداعي. ■ أثره الممتد وجوائزه ما زالت أعمال عبد الصبور حاضرة في الوجدان العربي، يُدرّس شعره في الجامعات، وتُعرض مسرحياته حتى اليوم، ولا تخلو دراسة نقدية جادة من تناول أثره. ومن أبرز الجوائز التي نالها: جائزة الدولة التشجيعية عن "مأساة الحلاج" (1966) جائزة الدولة التقديرية في الآداب بعد وفاته (1982) الدكتوراه الفخرية من جامعتي المنيا وبغداد ■ صلاح عبد الصبور.. شاعر المأساة الجميلة بقي صلاح عبد الصبور نموذجًا للشاعر الذي صاغ من ألمه الخاص مشروعًا إبداعيًا عامًا، ومن صمته الداخلي موسيقى شعرية باهرة، جسّدت الحزن الإنساني بلغة شفافة عذبة، وسؤالًا مستمرًا عن المعنى والعدل والحرية. في ذكرى ميلاده، يعود صوته: "قد عرف الدمع طريق المقل لكن القلب الساكن لم يعرف أبدًا أن يُذل" اقرأ أيضا| في ذكرى ميلاده.. توفيق الدقن شرير خفيف الظل