في زمن ليس ببعيد.. كانت المشاعر تُقال بصدق.. والضحكات تُشارك وجهًا لوجه، والدموع تجد من يمسحها بحنان.. والعتاب كان يحدث في حضرة من نحب.. لا في غيابه. أما اليوم، فقد أصبحت المشاعر تُرسل عبر رموز تعبيرية.. والاهتمام يُقاس بعدد "الإعجابات"، والوجود يُثبت بمنشورات وقصص يومية صرنا نحب فنكتب "تاج" تعبيراً عن حبنا.. نغضب فننشر اقتباسًا غامضًا.. نشتاق فنصمت في العلن ونتحدث في الرسائل.. وكأننا نحتاج إلى جمهور كي نعيش.. ونشعر بذاتنا . السوشيال ميديا لم تعد مجرد وسيلة تواصل.. بل تحولت إلى مسرح نعرض فيه مشاعرنا، ونقيس عليه قيمة علاقاتنا، وربما حتى أنفسنا.. أصبح التقدير مرهونًا بالتفاعل.. والاهتمام مشروطًا بالحضور الرقمي. والمضحك.. أن البعض يخاف من الاختفاء.. لا لأن أحدًا سيشتاق.. بل لأن خوارزمية المنصة قد تنساه. المقارنة الاجتماعية صارت شبحًا يلاحق الجميع.. نُقارن تفاصيل حياتنا اليومية بصور معدلة ولحظات منمقة، فنشعر بالعجز دون أن نعرف أننا نُقارن حقيقتنا بخيال. وأصبحنا نحكم على الآخرين من خلف شاشتنا دون أن نعرف الحقيقة ونسينا اننا جميعنا بشر . وهنا.. لا فرق بين دين أو جنس أو لون..فالضعف الإنساني أمام وهم الكمال الرقمي لا يستثني أحدًا... كلنا بشر... نتشابه في احتياجنا للحب.. وفي بحثنا عن التقدير.. وفي لحظات انكسارنا أمام الشاشة. الخوف من الفقدان.. يجعلنا نلهث خلف كل إشعار.. نخشى أن يفوتنا حدث أو لحظة أو ترند،..وننسى أن الحياة الحقيقية تحدث خلف الكاميرا.. لا أمامها. وبين كل هذا.. التمييز والتحامل وجدا لأنفسهما موطئ قدم.. يُنشر الكره بسهولة.. ويُعاد تدويره بلا وعي.. مما يهدد التعايش ويشوه القيم. نعم.. أصبحت التصرفات البشرية في هذا الزمن أكثر تعقيدًا.. لأننا لم نعد نتصرف بدافع إنساني فطري.. بل بدافع رقمي مراقب.. نتأنق للكاميرا.. لا لأنفسنا.. نعتذر عبر الرسائل.. ونُعاتب عبر المنشورات. صرنا نخشى المكاشفة..ونستبدل الصراحة بالإيموجي.. والتواصل بالرد التلقائي. وفي الختام.. تذكّر أن الإنسان أثمن من "تفاعل".. وأن الحقيقة أعمق من صورة.. وأن دفء القلب لا يمكن قياسه بعدد "الإعجابات".. لا تجعل السوشيال ميديا تحدد قيمتك أو تشوه فطرتك.. كن أنت.. كما أنت.. بتقلباتك، بصراحتك، بضعفك وقوتك.. واختر أن تتصرف بإنسانيتك.. لا بردود فعل جمهورك الرقمي.. فالعالم لا يزال بخير.. طالما فينا من يحن.. ومن يُفكر.. ومن يختار ألا يجعل الهاتف يتحكم في قلبه.. وتذكر دائماً.. ليست كل المشاعر قابلة للنشر.. ولا كل اللحظات تستحق التوثيق.. بعضها خُلق ليُعاش فقط.. بصمت، بصدق، وبقلب حاضر.