في زمن تزايدت فيه التحديات الأسرية والاجتماعية، لم يعد خطر التحرش بالأطفال يطرق الأبواب، بل بات يتسلل بصمت إلى داخل البيوت، مستغلًا غياب الوعي والرقابة والانشغال اليومي، حادثة طفل البحيرة الأخيرة أعادت للأذهان واقعًا مريرا، وهو أن التحرش الجنسي بالأطفال لم يعد أمرا نادرا أو بعيدا، بل حقيقة تتطلب وقفة حاسمة من المجتمع والأسر على حد سواء، ففي ظل غياب التوعية، وانتشار المحتوى الجنسي عبر الإنترنت، وتفكك الروابط الأسرية، يجد المتحرشون طريقًا سهلًا إلى الأطفال. وفي تصريحات خاصة ل"بوابة أخبار اليوم"، أكد الدكتور محمود محمد علام، كاتب واستشاري في الإرشاد النفسي والأسري، أن الإنترنت سهل ظاهرة التحرش بالأطفال بشكل غير مسبوق من خلال الوصول إلى المحتوى الجنسي المنحرف، ما جعل البعض يبدأ بمشاهدة الإباحية العادية، ثم يبحث عن محتوى أكثر "غرابة" أو "قوة"، وقد ينتهي الحال أحيانًا بمشاهدة محتوى متعلق بالأطفال، وهو ما يعد كارثة أخلاقية وجنائية. وأضاف الدكتور علام أن خطورة هذا الأمر تتضاعف مع غياب التوعية الكافية للأطفال عن خصوصيتهم وحدود جسدهم، فالطفل الذي لا يعرف معنى "اللمسة الآمنة" و"اللمسة غير المريحة"، يكون هدفا سهلاً للمتحرش، خاصة إن كان يعيش في بيئة أسرية مفككة أو يعاني من الإهمال أو الغياب العاطفي. علامات الميول البيدوفيلية: انتبه قبل فوات الأوان وحذر الدكتور علام من تجاهل بعض السلوكيات التي قد تكون دليلاً على وجود ميول "بيدوفيلية" عند شخص ما تدفعه إلى التحرش بالأطفال، مشيرًا إلى مجموعة من العلامات والسلوكيات التي يجب الانتباه إليها: اهتمام مفرط بالأطفال: قضاء وقت غير مبرر مع الأطفال، تفضيل صحبتهم على الكبار، أو التعلق الغريب بطفل بعينه. محاولات كسب ثقة الطفل وأهله: تقديم هدايا بدون سبب، عرض خدمات كالتوصيل أو التدريس بدون حاجة حقيقية. تجاوزات في الخصوصية: لمس الطفل بشكل مريب، الحديث في موضوعات حساسة، أو التقاط صور للطفل دون داع. الرغبة في الانفراد بالطفل: السعي لقضاء وقت منفرد في أماكن مغلقة، مع إطلاق عبارات مثل "ما تحكيش لحد". نشاط إلكترونى مشبوه: متابعة حسابات أطفال، إرسال رسائل غير لائقة، أو امتلاك صور وفيديوهات لأطفال ، وهو جرم قانوني صريح. نصائح للتعامل مع الموقف بحذر ووعي وينصح الدكتورعلام بعدم التهاون مع أي إشارات مريبة، ويشدد على أهمية: مراقبة تصرفات الأشخاص القريبين من الطفل دون مواجهات مباشرة. منع الخلوة بين الطفل وأي شخص محل شك. الحديث الدائم مع الطفل بطريقة ذكية وغير ترهيبية. التبليغ الفوري للجهات المختصة في حال وجود دلائل قوية أو شكوى مباشرة من الطفل لغة الجسد.. مؤشر خطير لصدمات صامتة من جانبه أن علامات التحرش لا تقتصر على الجسد، بل تظهر بوضوح في لغة الجسد والسلوك النفسي. ومن أبرز هذه العلامات: تجنّب التواصل البصري: الطفل يتفادى النظر في عيون والديه، نتيجة خجل داخلي أو خوف. توتر وقلق مفرط: حركات لا إرادية كشد الشعر أو العصبية الزائدة تشير لضغط نفسي. تغيّر مفاجئ في السلوك: ميل لتغطية الجسد، رفض التلامس أو القرب من الأهل. نوبات غضب أو بكاء دون سبب: تعبير لا واعٍ عن صدمة غير مفهومة. انسحاب اجتماعي ملحوظ: العزلة، الصمت، وعدم الرغبة في النشاطات المعتادة. عدم الاكتفاء بالصمت لا يمكن الاكتفاء بالصمت، ولا يجب أن تكمم الألسنة خوفًا من "الفضيحة"، فالجريمة لا تقل فظاعة بكون الجاني من الأقارب أو المعارف، بل على العكس، هي أشد خطورة، حماية الطفل مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة، وتستمر في المدرسة والمجتمع، ومع أن الواقع مؤلم، إلا أن الأمل موجود في وعي جديد بدأ يظهر، حتى لو كان همسًا يقول "كفاية"، لنحمِ أطفالنا، فهم أمانة تستحق كل انتباه، وكل وقفة حقيقية.