د. محمد شومان يسعى تيار «ما بعد الإنسانية» إلى فهم كيف يمكن أن يتغير الإنسان بيولوجيًا ونفسيًا واجتماعيًا نتيجة تطورات التكنولوجيا المتسارعة، خاصة الذكاء الاصطناعى فى عام 2023، نجح روبوت ذكى فى تأليف قصة قصيرة فازت بجائزة أدبية محلية فى اليابان!! وفى نفس العام، تمكّن شاب فقد ذراعه من التحكم بطرف صناعى يتصل مباشرة بدماغه، وبينما أنت تقرأ هذا المقال، هناك برامج ذكاء اصطناعى تكتب، تفكر، تحلل وتصمم، وتتعلم من تلقاء نفسها، وفى المستقبل القريب سيظهر الذكاء الاصطناعى المتقدم والذى يعرف بالسوبر ، و الذكاء الاصطناعى القوى أو العام ، وهو قادر على التفكير المستقل والوعى بذاته والشعور بمن حوله . كل هذه التطورات دفعت الأوساط البحثية فى الغرب لطرح سؤال محير وهو : هل لا نزال بشرًا كما كنا؟ أم أننا بدأنا نتحول إلى كائنات «ما بعد إنسانية»؟ وأصبح هذا السؤال مجال اهتمام وبحث لتيار فكرى واسع ومتنوع يعرف ب «الإنسانية الجديدة» أو «ما بعد الإنسانية» (Posthumanism) و يمثله عدد من المفكرين أمثال البروفيسور السويدى «نيك بوستروم»، والذى يحذر فى كتابه الشهير الذكاء الخارق Superintelligence، من أن الذكاء الاصطناعى قد يتجاوز قدرات البشر قريبًا، مما يهدد البشرية إذا لم نحسن توجيهه، والمفكر الأمريكى الشهير فرانسيس فوكوياما، الذى يتخوف من ضياع القيم الإنسانية فى ظل الذكاء الاصطناعى السوبر والتطور المتسارع فى التكنولوجيا الحيوية، والتى ستمكن من تعديل الجينات وتحسين القدرات البيولوجية، فى مقابل هذه المخاوف هناك من يتحمس لمرحلة ما بعد الإنسانية مثل المفكر والمخترع الأمريكى «راى كورزويل»، الذى يتحدث عن «التفرد التكنولوجي» والذى يقصد به مرحلة يندمج فيها الإنسان والآلة، وبالتالى تصبح قدرات البشر غير محدودة،وفى كتابه The Singularity Is Near «التفرد قريب» ، يتوقع كورزويل أن يحصل هذا الاندماج بحلول عام 2045، حين يتمكن الإنسان من «تحميل» وعيه إلى الحاسوب، أو التواصل مباشرة مع الإنترنت عبر الدماغ، هذه الاطروحات الفكرية مثار جدل ونقاش واسع، وتبدو بالنسبة لنا فى مصر نوع من الجنون ومحاولة لهدم الأديان والقيم الإنسانية، ومع ذلك لابد من قراءتها وتحليلها، لفهم التيارات الفكرية الغربية الحديثة، وما تتوقعه بشأن تأثيرات الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحيوية على البشر، والأهم كيفية توجيه الذكاء الاصطناعى وانسنه وجعله فى خدمة البشر وتحقيق العدالة الاجتماعية ، كما يقترح بعض المفكرين . باختصار، يسعى تيار «ما بعد الإنسانية» إلى فهم كيف يمكن أن يتغير الإنسان بيولوجيًا ونفسيًا واجتماعيًا نتيجة تطورات التكنولوجيا المتسارعة، خاصة الذكاء الاصطناعي. فى هذا الاطار هناك اشكاليات يحاول فلاسفة ما بعد الإنسانية حلها: الإشكالية الأولى: ماذا سيحدث عندما لا يصبح الإنسان هو الكائن الأذكى فقط على هذا الكوكب؟ وماذا يعنى أن تتفوّق الآلة على صاحبها؟ ماذا يحدث عندما يؤلف الذكاء الاصطناعى كتباً وأدباً وشعراً ، ويشخص الأمراض ويجرى العمليات الجراحية، ويقوم بالتدريس فى المدارس والجامعات، ويقود السيارات والطائرات.. إن كل هذه المهارات والوظائف التى سيقوم بها الذكاء الاصطناعى والربوتات تعنى أن الآلة أصبحت شريكاً معرفياً للبشرومنافساً لهم، أى أنها لن تكون مجرد آلة يمكن إيقافها أو الاستغناء عنها بسهولة. الإشكالية الثانية : كان الإنسان ومايزال مميزاً عن الآلات وبقية المخلوقات بقدرته على الشعور والتفكير والإبداع والأخلاق ، لكن بعض أنواع الذكاء الاصطناعى السوبر قد تتمكن من الشعور والوعى والتفكير المستقل والإبداع .. هل سيحدث ذلك بالفعل ؟ وكيف سيتعامل البشر معها؟ هل سنصل إلى العالم الذى صورته لنا أفلام الخيال العلمى عن الروبوتات التى تشعر وتحب وتتمرد على قرارات البشر وتقيم عالمها الخاص. الإشكالية الثالثة والأخيرة تتعلق بمكانة الأخلاق ودورها فى عالم ما بعد الإنسانية، فما هى أخلاقيات الذكاء الاصطناعى الخارق أو السوبر؟ وكيف نضبط سلوك الروبوتات ونلزمه بالأخلاق الإنسانية، والتى صححت مسار الإنسانية وارتقت به عبر الأجيال ، وهل ستفهم التكنولوجيا هذه القيم وتلتزم بها ، أم ستظهر قيم جديدة تجمع بين قيم البشر وقيم الآلة ، ثم السؤال الأكثر أهمية أين مكانة ودور الأديان ؟.