غالباً فقدْنا القدرة على مشاركة الآخرين أفراحهم، الأمر لا يتوقف عند هذا الحد للأسف، بل يمتد إلى ممارسة دور «عواجيز الفرح»، الذين ينشغلون عن طقوسه عادة باقتناص السلبيات، أو اختراعها إذا لم تكُن موجودة. فاز الروائى محمد سمير ندا بجائزة البوكر العربية، سارع الكثيرون لتهنئة صديق لهم فى فضاء الإبداع، بينما هاجم فيروس الجدل آخرين، وجدوا الفرصة سانحة لتكريس استقطابات، صارت سلوكاً حاضراً فى معظم مجالات حياتنا، فجأة تفجّر نزاع حول «الدولة الفائزة»، هل هى مصر التى يحمل الكاتب جنسيتها، وتدور أحداث الرواية بها فى أعقاب نكسة 1967؟ أم تونس اعتماداً على شهادة منشأ دار النشر؟ وفى إطار الاجتهادات العبثية للبحث عن إجابة، تناثرت الانتقادات ممن يستكثرون على أى إنسان أن ينال حفنة بهجة! الجائزة اتجهتْ لرواية «صلاة القلق»، ولم تُمنح للكاتب عن مجمل أعماله، كما أنها لم تكُن من نصيب دار النشر، ولكلتا الحالتين جوائز توجه لها، وهو ما يحسم شكلياً جدلا لم يكُن يفترض أن يبدأ، وعلى مستوى المضمون أعتقد أن الفائز هو الأدب العربي، الذى ظللنا لسنوات عديدة نقرأه دون أن نفكر فى جنسية كاتبه، إلى أن حوّلته الجوائز إلى ميدان جديد للمنافسة، يستعير احتقان ملاعب كرة القدم وتعصب جماهيرها. مهاترات «السوشيال ميديا» حول الجائزة، تضيف مؤشراً جديداً إلى خلل أصابنا، يتمثل فى ابتكار المنغصات للنيل من أى إنجاز، بهدف التشكيك المجانى حيناً، وأحياناً لمجرد استعراض عضلاتنا فى الاختلاف حول أى شيء، من طريقة طهى البامية إلى السياسة! لن أتطرق إلى رفض دور نشر مصرية للرواية، فلكل منها معاييرها وحساباتها التى تظل حقاً أصيلاً لها، والأهم هو الاحتفاء بمبدع يستحق أن يفرح، ورواية فائزة أعترف أننى لم أقرأها بعد، ألف مبروك لمحمد سمير ندا، الذى أثارت تداعيات فوْزه «القلق» فى نفسى، من حالة تربص أصابتْ مجتمعاتنا، وامتدت لكل المجالات.. حتى الثقافة.