لم يتحمل شريف السخرية اللاذعة ، لدرجة أنه أعلن سحب الكثير من فيديوهاته تحت وطأة السخرية، والقسوة لماذا أصبحنا بهذه القسوة ، نتنمر على خلق الله الطيبين ، ونستمتع بتعذيب الكلاب وتصويرها وهى تتألم ، ونطالب بتطبيق أقصى العقوبة على طبيب كبير ، أخطأ ، واعترف ، واعتذر، فى أول سابقة له ، بعد تاريخ طويل مشرف مهنيا وأخلاقيا يعترف به كل من عرفه .. منذ أيام قليلة صدمنا خبر وفاة صانع المحتوى الشاب شريف نصار، الذى رحل فجأة بعد معاناة قاسية من التنمر والسخرية. ووصلة مكثفة من الكلمات الجارحة، التى يطلقها رواد السوشيال ميديا وهم يضحكون، بينما يتلقاها شريف وقلبه يتمزق من الحزن والقهر والإحساس بالفشل. شريف مجرد نموذج لشاب حاول أن يجد لنفسه طريقا للنجاح والشهرة من خلال فيديوهات السوشيال ميديا التى سبقه إليها آلاف الشباب وحققوا شهرة وثروة . شريف من الشخصيات التى تعبر عن مشاعرها بصدق ، وفيديوهاته بعيدة عن الابتذال والتفاهة، تحمل محتوى إنسانيا ونصائح باللغة العربية الفصحى مع استخدام الشعر أحيانا، محتوى هادف فى عيون شريف، لكنه «موضة قديمة» فى عيون رواد السوشيال ميديا الباحثين عن التفاهة ، الذين ،»استلموه» بوصلات سخرية وتنمر ، والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة ، بعض الناس لا يدركون تأثيرها. لم يتحمل شريف السخرية اللاذعة ، لدرجة أنه أعلن سحب الكثير من فيديوهاته تحت وطأة السخرية، والقسوة، وقال للمتنمرين : أنا فعلاً من جيل قديم كان فيه كل حاجة حلوة ، ومش قادر أتكيف مع اللى وصلنا له. وفى آخر فيديوهاته وجه رسالة لكل من آذاه بالتجريح ، قائلا: « إلى من تعمدوا إحزانى ومضايقتى وتجريحى بالتنمر علىّ وعلى فيديوهاتى، سيسخر الله لكم من يضيق صدوركم ويؤذى قلوبكم ولو بعد حين، أما أنا فسأستمر ولن أموت مقهوراً» ، ولكن فيديوهات شريف اختفت ، وبعدها بأيام مات. هل مات شريف بسبب القهر والحزن؟ لا يمكن لأحد أن يُجزم بذلك ، قد يكون هناك ارتباط غير مباشر وقد تكون مصادفة، ولكن تفاصيل الحكاية كشفت لنا عن أن مجتمع السوشيال ميديا فقد للأسف كثيراً من إنسانيته، مجتمع يحول كل شىء إلى تريند حتى الاستهزاء بالناس واتهامهم واغتيالهم معنوياً ، وإصدار الأحكام عليهم والمطالبة بتنفيذها بلا محاكمة ولا أدلة . أحدث الدراسات تقول: إن مشاعر الحزن والحالة النفسية السيئة ، تزيد فرص الاكتئاب بل والسرطان أيضا ويتحدث أطباء القلب أيضا عن نوع من الأمراض الوراثية أو الخلقية، عن ضعف فى أحد الشرايين ، وأن هذا الشريان قد يتعرض فجأة للانفجار عند مواجهة صاحبه للضغوط الشديدة بسبب الحزن والتوتر وغيرهما . ولو كانت هذه المشكلة فى المخ تتسبب فى الوفاة فى غضون يومين أو ثلاثة، ولو كانت داخل القلب تتسبب فى الوفاة على الفور. وحكاية نصار وغيرها الكثير من حكايات السوشيال ميديا تكشف لنا ما أصابنا من استهتار فى إصدار التعليقات والأحكام على البشر ، دون التفكير ولو للحظة واحدة فى أن ما تكتبه يمكن أن يدمر حياة إنسان وربما أسرة كاملة. وفى الحديث الشريف: سأل معاذ بن جبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!». فلنفكر قليلاً فيما تحصده ألسنتنا قبل أن ننطق، وفيما تكتبه أقلامنا قبل أن نسطر.