في توقيت بالغ الأهمية، حيث تشهد المنطقة تحولات جيوسياسية متسارعة، وسعى مصر المتواصل لتحقيق السلام واطفاء نيران منطقة مشتعلة وتعزيز وتطوير قدراتها الدفاعية و الأمنية كل ذلك دون توقف لمشروعها التنموي والحضاري.. ولأن ذكرى التحرير الخالدة تأتي اليوم في ظل ظروف صعبة وبالغة التعقيد جاء حوار «الأخبار» مع العميد أ.ح غريب عبد الحافظ غريب المتحدث العسكرى الرسمي للقوات المسلحة ليكشف استراتيجية القوات المسلحة لمواجهة هذه التحديات غير المسبوقة ودورها الحيوى في حماية الأمن القومي، وتطوير الفرد المقاتل، والتعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية المختلفة.. العميد غريب تحدث إلينا بفطنته ووضوحه المعهودين، وحملت إجاباته رسائل بعلم وصول، أكد من خلالها كيف نجحت القوات المسلحة على تعزيز قدراتها لحماية هذا الوطن فى ظل أعتى التحديات، مستلهمة روح الانتصار من حرب أكتوبر وتحرير سيناء. ◄ «تحرير سيناء» انتصار لقوة الإرادة والتخطيط والتنفيذ ◄ في البداية سألته..كيف ترى ذكرى تحرير سيناء فى ظل التحديات الحالية؟ حرب أكتوبر أعادت صياغة تاريخ العسكرية المصرية بتضحيات ودماءرجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه وتركوا لنا ميراثاً خالداً وشاهداً لكل الأجيال لقد استوعبنا جيداً الدروس المستفادة من كافة الحروب والمعارك وندرك جيدا التحديات والتهديدات المحيطة بنا ونؤكد أنه لا سبيل للحفاظ على هذا الوطن إلا بالاستعداد الدائم للحفاظ على مكتسبات هذا الشعب.وهو ما فطنت إليه القوات المسلحة فعظمت من قدراتها ونظم تسليحها وتدريبها بما يتواكب مع أحدث النظم العسكرية في العالم إن تحرير سيناء كان تحريرًا للكرامة المصرية وانتصارًا لصلابة وقوة الإرادة وحسن التخطيط والإعداد والتنفيذ. ورمزاً لمساندة جموع الشعب المصرى لقواته المسلحة فى فترة عصيبة من تاريخ الوطن لبناء قوات مسلحة قوية وقادرة فى ملحمةً وطنية أبطالها الشعب والجيش من أجل رفعة راية هذا الوطن. ◄ تنويع مصادر التسليح والاعتماد على التصنيع العسكري يُعد أحد الركائز الأساسية في استراتيجية تطوير قدرات قواتنا المسلحة، كيف ساهم هذا في امتلاك قوة ردع قادرة على حماية مصالحنا؟ شهدت القوات المسلحة طفرة تسليحية غير مسبوقة منذ عام 2013 اعتمدت على تنوع مصادر التسليح، سعت خلالها إلى بناء وتطوير قدراتها القتالية وكفاءتها الفنية من خلال تنفيذ استراتيجية شاملة لتطوير وتحديث جميع الأفرع الرئيسية، ومواكبة التطور المتسارع فى نظم وأساليب القتال، وتنويع مصادر التسليح بما يمكنها من تنفيذ كافة المهام تحت مختلف الظروف على كافة الاتجاهات الاستراتيجية. كما عملنا على تعزيز الجهود الداخلية وتطويع التكنولوجيا الحديثة لتعظيم دور التصنيع العسكرى والإنتاج المصرى لتلبية إحتياجات القوات المسلحة كضرورة ملحة نحو تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد الوطني. واشتمل التطوير بالقوات البحرية على إنشاء الأسطولين الشمالى والجنوبى لتأمين مسرح العمليات البحرى بنطاق البحرين المتوسط والأحمر، وإضافة أحدث القطع البحرية بما يعزز من القدرات الهجومية والدفاعية للقوات البحرية، وزيادة قدرتها على تأمين المجال البحرى بطول سواحل حوالى 2936 كيلومترًا على شواطئ البحرين المتوسط والأحمر.إضافة إلى عقد العديد من الصفقات العسكرية متنوعة المصادر، المتمثلة فى (حاملتي المروحيات طراز ميسترال - غواصات ألمانية طراز جوويند-، فرقاطات طراز ميكوA200) لصالح القوات البحرية.كذلك أحدث أجيال الطائرات من المقاتلات متعددة المهام، ومنها طائرات الرافال لصالح القوات الجوية، القادرة على الوصول إلى الأهداف المخططة لها على مديات بعيدة وتحت مختلف الظروف. أيضًا، تمت إضافة قدرات جديدة إلى قواتنا المسلحة بإنشاء العديد من القواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية لمجابهة التحديات المتنامية على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، ومنها قاعدة محمد نجيب العسكرية فى يوليو 2017 وقاعدة سيدى برانى العسكرية وقاعدة برنيس العسكرية فى يناير 2020 لحماية وتأمين ساحل البحر الأحمر والاتجاه الاستراتيجى الجنوبي، لدفع أى تهديدات قد تؤثر على الأمن القومى وقاعدة 3 يوليو البحرية. كل ما سبق من تطوير واستعداد قتالى يضمن امتلاك القوات المسلحة لقوة الردع وتنفيذ أى مهام حالية. ◄ بعد مجهودات مضنية ونجاح تطهير سيناء من الإرهاب تساهم القوات المسلحة اليوم مع القطاع المدنى لتحقيق التنمية الشاملة فى سيناء وغيرها من المناطق الحدودية، ما هى أبرز المشروعات التى تم تنفيذها؟ أتوجه بالتحية إلى أرواح شهدائنا الأبطال الذين كتبوا بدمائهم أسمى معانى الوفاء والتضحية. اليوم، ونحن نحتفل بذكرى تحرير سيناء، ننحنى إجلالا لهؤلاء الأبطال الذين قدموا أرواحهم ثمنا لتحريرها، وساهم أجيال بعدهم فى تطهير أرض سيناء من دنس الإرهاب. لن ننسى ولن تضيع تضحياتهم هباء. فقد صنعوا بشجاعتهم أمن وأمان هذا البلد..أما عن تنمية سيناء فمن واقع المسئولية الوطنية والمجتمعية تساهم القوات المسلحة بما لديها من إمكانات بدعم جهود الدولة فى التنمية الشاملة سواء مشروعات البنية التحتية، تطوير المناطق العشوائية، وإنشاء المدن السكنية فى عدد من المحافظات، إنشاء عدد من محطات تحلية المياه، إنشاء وتطوير عدد كبير من المستشفيات والمراكز الطبية، إنشاء عدد من شبكات الطرق المتطورة... ومنح أولوية خاصة لإقامة مشروعات تنموية بمحافظات شمال وجنوبسيناء ومحافظات جنوب الوادى والمناطق الحدودية بما يساعد على تطوير هذه المحافظات وجذب الاستثمارات إليها فضلاً عن المشاركة فى مبادرة حياة كريمة لتطوير الريف المصرى، كل ذلك من خلال إشرافها على الشركات والمكاتب الاستشارية الوطنية ما يساعد على توفير فرص عمل جديدة.كما تساهم القوات المسلحة فى الارتقاء بالأوضاع الاجتماعية والظروف المعيشية للمواطنين بشبه جزيرة سيناء حيث تم تكليف القوات المسلحة فى 30 يونيو 2014 بتنفيذ أكثرمن (460) مشروعا لخدمة كافة مجالات التنمية الشاملة وهو ما تحقق. ◄ في ظل انتشار الشائعات التي تستهدف النيل من الأمن القومي المصري ما الاستراتيجية التي تتبعونها للتعامل معها؟ لم يعد تهديد الأمن القومي مقصوراً على البعد العسكرى والأمني التقليدي ولكن اتسع ليضم أبعاداً أخرى تؤدى إلى خلل فى بنية المجتمع والدولة معاً ومن ضمنها الإعلام، لذا يجب التمييز بين الإعلام بصورته النظرية الرامية لتحقيق حرية التعبير عن الرأي، والإعلام الموجه المدعوم دولياً ضد المصالح القومية للدولة بهدف زعزعة استقرارها أو التأثير على مقدراتها من خلال نشر معلومات مغلوطة وأخبار زائفة. وشهدت العقود الماضية ما يسمى بالغزو الثقافى باستخدام الإعلام بشكل سلبى للتأثير على (الهوية الثقافية / القيم والمعتقدات) بما يشكل خطراً وتهديداً على الأمن القومى لتحقيق أن معركة الوعى تمثل تحديا رئيسيا وتلعب دورا كبيرا فى عملية البناء والتنمية، كما أن الاستخدام السلبى لوسائل التواصل الاجتماعى يعد من أخطر أسلحة الإعلام حيث يتم من خلاله توجيه الرأى العام وتزييف المعلومات، لذا كان لزاماً علينا أن ندرك أهمية المعلومات التى نقوم بنشرها وأن نعى الهدف الحقيقى والغاية وراء مجانية التطبيقات والتحقق قبل نشر أو تداول أى أخبار من مصادر غير موثوقة. ولذلك فنحن نحرص بشكل مستمر على التواصل الدائم مع كافة وسائل الإعلام للرد على أى استفسارات وتفنيد أى شائعات خاصة بالقوات المسلحة. ◄ في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع وتطور أساليب الحروب ما الاستراتيجية التى تتبعها القوات المسلحة لبناء مقاتل قادر على المواجهة؟ منذ عام 2013 تحرص القوات المسلحة على تنفيذ استراتيجية شاملة للتطوير بدءًا من الفرد المقاتل باعتباره الركيزة الأساسية لبناء جيش وطنى قوى، مروراً بمواكبة التطور المتسارع فى نظم وأساليب القتال وتنوع مصادر التسليح وانتهاءً بامتلاك أحدث المقومات من العلوم والتكنولوجيا ونظم التسليح لدعم قدراتها القتالية والفنية للوفاء بالمهام المكلفة بها فى تأمين حدود الدولة على كافة الاتجاهات الاستراتيجية حفاظاً على الأمن القومى المصرى فى ظل ما تفرضه الأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية من تحديات. لذلك حرصت القيادة العامة للقوات المسلحة دائماً على تعظيم الاستفادة من الفرد المقاتل من خلال الاهتمام بالنواحى الإدارية والمعنوية والاستيعاب الأمثل للأسلحة والمعدات المتطورة، فضلاً عن صقل مهارة الفرد من خلال التدريب الجاد والمستمر بكافة الأفرع الرئيسية. فالقوات المسلحة تسعى دائماً لبناء شخصية متكاملة لأفرادها، وتحويلهم إلى عناصر فعالة فى المجتمع، بما يعكس استراتيجيتها فى تطوير الجندى ليس فقط على مستوى المهارات العسكرية ولكن أيضاً فى حياته الشخصية والاجتماعية. ولذلك لا يقتصر تدريب الجنود على المهارات العسكرية، بل يشمل أيضاً جوانب حياتية واجتماعية ونفسية مهمة، إذ يتم فى مراكز التدريب تنظيم برامج لتوعية الأفراد بمساعدة مختصين فى مجالات علم النفس والاجتماع، ويتم التركيز على معالجة المشكلات الشخصية والاجتماعية التى قد يواجهها الجنود نتيجة لبيئاتهم المختلفة. ولم يقتصر الأمر على الجنود فقط بل هو ممتد أيضاً لطلاب الأكاديمية العسكرية المصرية لتطويرهم وتأهيلهم من خلال توقيع بروتوكولات تعاون مع الجامعات المدنية فى المجالات العلمية والبحثية، بهدف تأهيل طلاب الأكاديمية علمياً وعملياً لصقل مهاراتهم فى مجال التعليم الجامعى والبحث العلمي، ليكون الناتج تخريج ضباط مقاتلين مسلحين بالعلم والمعرفة، يعلمون جيداً معنى وقيمة الحفاظ على الوطن. ◄ كيف تساهم التدريبات المشتركة مع الدول الشقيقة والصديقة فى تعزيز قدراتنا على مواجهة التحديات الأمنية المعاصرة؟ أولت القوات المسلحة اهتماماً كبيراً بالتدريب القتالى ورفع الكفاءة القتالية وكذلك التدريبات المشتركة مع الدول الصديقة والشقيقة طبقاً لخطط مدروسة بدقة فى ضوء تنامى علاقات الشراكة والتعاون العسكري، حيث تم تنفيذ العديد من التدريبات المشتركة / عابرة منذ عام2020-2025، على كافة الاتجاهات الاستراتيجية للدولة.وتهدف التدريبات العسكرية المشتركة بشكل عام إلى تبادل الخبرات، وصقل مهارات العناصر المشاركة وتنمية قدرتها على تنفيذ كافة المهام بمسارح العمليات المختلفة لتأمين الأهداف الحيوية،ومكافحة الإرهاب ومواجهة التهديدات المحتملة والاستعداد لتنفيذ أى مهام مشتركة تحت مختلف الظروف، والهدف الأسمى من التدريب هو العمل المشترك نحو تحقيق السلام والاستقرار والأمن ارتباطاً بأن لا سلام إلا بقوة رادعة قادرة على حفظه.