ما أعجلك يا زمن، وما أسرعك يا وقت، كأن الفاجعة وقعت بالأمس، وكأن الجرح لايزال غضا يقطر أسى رغم مرور كل هذه السنوات، وليتنى هرعت اليه، ولم أضيع دقيقة، فحين جاءنى صوته واهنا، عبر تلك المهاتفة المتلهفة عليه، فور علمى بنقله إلى المشفى، ظننت أنها أيام عابرة، وسيعود الخال إلى مقره المختار وسط الحقول اليانعة، فى مزرعته المحببة، قال لي: تعال، أريد أن أراك، نعم الزيارة صعبة، تكاد تكون ممنوعة، لكنى سأخبرهم فى ذلك الصرح الطبى العسكري، بضرورة السماح لك بزيارتي، كانت نبرة صوته على الرغم من الوهن الذى يشوبها، متفائلة، مقبلة على الحياة كعهدى به دائما، وهذا ما طمأننى على الخال، ودفعنى إلى طمأنة عشاقه عبر هذه الصفحة من خلال موضوع سردت فيه ما دار بينى، وبينه من حوار يؤكد أنه قادر على الحديث، والتعبير عن مشاعره بحيوية متدفقة عهدتها فيه على مدى مئات اللقاءات والمهاتفات التى جرت بيننا، لذا لم أشعر بأنها النهاية، وظننت أنه بمقدورى الانتهاء من بعض الأعمال الضاغطة الملحة قبل الذهاب إليه، ولكن الصدمة التى باغتتنى أن نعى الخال انتشر وذاع بعد ذلك بساعات معدودات، لقد مات الخال .. الشاعر الفذ .. والمبدع الاستثنائى ..وأحد حكائى مصر العظام ،ويصعب وصف مشاعرى وقتها ،أهو الندم على عدم تلبية دعوة اللقاء الأخير فورا، أم الألم لوطأة النازلة المفاجئة؟ أم الأسى العميق على الفقد المزلزل، حاولت التماسك، ولم شتات النفس المبعثرة، فقد قررت «الأخبار» ..الجريدة العريقة التى احتضنت نثر الخال الساحر فى اليوميات إعداد صفحات عنه ..عن عطائه ..عن بصماته .. وكلفت بالإشراف على تلك الصفحات التى وفقنا رب الأكوان فى إعدادها ونشرها بعد أيام من مغادرة «الأبنودي» عالمنا، وقد اخترت لها عنوان «زلزال رحيل الخال»، وقد لاقى جهدنا أصداء طيبة، فاقت التوقعات، مما كان له أطيب الأثر كعزاء لنفسى الملتاعة التى أيقنت أن من المحال نسيان الخال.