طارق فهمى من الواضح أن إسرائيل تتخبط فى مأزق سياسى وعسكري، فهناك تعقيدات فى العملية العسكرية تتزايد الضغوطات الدولية على إسرائيل للسماح بإدخال المساعدات الى قطاع غزة إضافة للتباين فى طرح هذا الموضوع داخل الحكومة الإسرائيلية على اعتبار أنه يمس سمعة وشكل الدولة فى محيطها الدولى خاصة بعد أن طالبت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إسرائيل باستئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة فورا، ودعت الدول الثلاث جميع الأطراف إلى العودة إلى وقف إطلاق النار، وطالبت حركة حماس بالإفراج الفورى عن الرهائن المتبقين لديها. ومن الواضح أن الحكومة الاسرائيلية تستخدم سلاح التجويع ضد الفلسطينيين فى غزة دون أفق زمنى جعل المجتمع الدولى يضغط عليه وفى هذا السياق، جاء فى بيان أوروبى مشترك أن إسرائيل ملزمة قانونيا بإدخال المساعدات إلى غزة، وقال وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ندعو إسرائيل إلى استئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة فورا وبسرعة ودون عوائق، لتلبية حاجات جميع المدنيين التزاما بالقانون الدولى وأن للجيش الإسرائيلى موقفا واضحا، وهو الرفض التام لأن يتحول إلى حاكم عسكرى فى غزة يوزع المساعدات الإنسانية مع التأكيد على أن الخلاف بين الإسرائيليين ليس بشأن توزيع المساعدات، بل حول الرؤية السياسية إلى أين تتجه إسرائيل فى حربها على غزة. فى هذا السياق من الواضح أن إسرائيل تتخبط فى مأزق سياسى وعسكري، فهناك تعقيدات فى العملية العسكرية، وعندما جاء رئيس الأركان إيال زامير وضع سقفا زمنيا لاحتلال غزة من 4 إلى 5 أسابيع، لكنه عجز عن تنفيذ خطته بسبب مشاكل الاحتياط والانقسام داخل الجيش، وقد شهد اجتماع مجلس الوزراء المصغر للشؤون السياسية والأمنية خلافات كبيرة حيث هاجم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش كلا من رئيسى الأركان إيال زامير ورئيس جهاز الأمن الداخلى الشاباك رونين بار بسبب إدارة الحرب فى غزة. وبرغم ما يجرى من حالة الجدال الراهن بشأن إدخال وتوزيع المساعدات فإن إسرائيل أعلنت عن اتفاقها مع شركة جلوبال ديلفرى كومبانى والتى يترأس مجلس ادارتها رجل الأعمال الإسرائيلى الأمريكى مردخاى موطى كاهانا، وهو أمريكى إسرائيلي، لتولى توزيع المساعدات الإنسانية فى قطاع غزة، وستعتمد الشركة على جنود وحدات نخبة سابقين، فى الجيشين الأميركى والبريطانى بالأساس. ومن الواضح من متابعة مخطط الحكومة الإسرائيلية أنه سيتم إنشاء أحياء محمية محاطة بجدران فى القطاع على غرار ما جرى من تجارب الحرب العالمية الثانيةهذه الأحياء، وفقاً للخطة الموضوعة ستكون تحت إشراف قوات من جنود النخبة السابقين من الجيشين الأميركى والبريطاني. وستتولى الشركة من خلال كوادرها الأمنية مسئوليات أمنية محددة، ومن ثم سيتم تسليح عناصرها وفق لمخطط إسرائيل سيتم تحت إشراف جهاز الأمن الداخلى شاباك ولن تقتصر مهامها على توزيع المساعدات فقط وسبق للشركة أن عملت فى العراق وأفغانستان، ولعل الهدف الذى سيتم الترويج له إسرائيليا توزيع المساعدات على من يستحق وعدم تولى أى جهة أخرى هذه المهمة الأمر الذى يتطلب دورا متعددا لعناصر الشركة والتى ستتمدد دورها فى القطاع حسب الظروف والمتطلبات مع التركيز على ملفات أخرى خارج نطاق المساعدات مثلما يجرى بالنسبة للتجارب الأمريكية فى عدد من دول العالم . لا يمكن النظر إلى الشركة المذكورة بمعزل عن أن مدير الشركة إسرائيلى أمريكي، والتوجهات الإسرائيلية من وراء اختيارها تحديداً، خاصة وأنها ستضم عددا من كبار المسؤولين الإسرائيليين السابقين من جهاز الموساد ووحدة اليمام وغيرهم ليكونوا مسؤولين عن غرفة القيادة الأمامية والتشغيل اليومي، لتفادى وقوع أخطاء تسفر عن تبادل لإطلاق النار بين القوات الإسرائيلية وقوات الشركة. وفى المجمل وبصرف النظر عن حجم المساعدات المقدمة وطريقة توزيعها تعانى القيادة فى إسرائيل ممثلة فى رئيس الأركان ووزير الدفاع يسرائيل كاتس من عجز ومن تعثر ميداني، إذ لم تحقق أى مكسب ميدانى أو أى إنجاز تفاوضي، فى حين بلغت ذروة استخدام القوة فى عدوانها على القطاع. تستهدف الحكومة الإسرائيلية من كل إجراءاتها تعزيز سياسة تضمن ألا تكون الأونروا جزء من اليوم التالي، ومعالجة العوامل المساهمة الأخرى، والعمل على حشد الدعم الحزبى فى الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى ودول أخرى على مستوى العالم لهذه السياسة التى تهدف إلى وقف أنشطة الأونروا فى غزة، وتطالب الأممالمتحدة باتخاذ إجراءات شخصية فورية ضد قيادة الأونرا إضافة لحسم الخلاف بين المستويين السياسى والعسكرى بشأن توزيع المساعدات خاصة أن الجيش رفض رسميا تولى أى مسئولية فى هذا الإطار خاصة مع عودة المواجهة العسكرية فى شمال قطاع غزة مرة أخرى حيث يفضل الجيش الإسرائيلى إبقاء توزيع المساعدات بيد جهات خارجية أو منظمات دولية، وليس تحت مسؤوليته المباشرة، لتفادى استنزاف قواته المنتشرة ميدانيا وعدم تعريضها لمخاطر أمنية وميدانية خاصة مع عدم وجود مقاربة سياسية أو عسكرية واضحة لدى إسرائيل للعمل عليها سواء فى مسألة إنهاء الحرب أو استمرارها، وهو الأمر الذى ما زال محل نقاش أمنى وعسكرى لم يحسم بعد.