فى ظل الاستعدادات الجارية لانتخابات نقابة الصحفيين تتصاعد الآمال داخل الجماعة الصحفية بأن تشهد المرحلة المقبلة ميلاد عهد جديد، تستعيد فيه النقابة دورها التاريخى كمنبر يجمع ولا يفرّق، وبيت حقيقى لكل صحفى على اختلاف انتماءاته وتوجهاته. فقد آن الأوان- كما يرى كثيرون- لأن تعود النقابة إلى جميع أبنائها، بعد سنوات شهدت فيها حالة من التراجع فى الأداء وتراجع الثقة، نتيجة الصراعات الداخلية والانحيازات التى أضرَّت بسمعة النقابة ودورها. فى الانتخابات النقابية للصحفيين تتجدد الدعوة إلى أن تكون النقابة على قلب رجل واحد، وأن يعلو صوت المهنة فوق أى صوت آخر. لم تعد هناك مساحة لتكرار أخطاء الماضى، ولا رفاهية الدخول فى معارك جانبية تستهلك طاقة النقابة وتُبعدها عن أولوياتها الحقيقية. والرهان الآن على وعى الجماعة الصحفية فى اختيار من يستطيع أن يفتح صفحة جديدة تُبنى على الشفافية، والعدالة، والعمل الجماعى. لقد أكدت التجربة أن النقابة لا يمكن أن تُدار لصالح مجموعة بعينها أو اتجاه معين. النقابة بطبيعتها كيان جامع، يتسع للجميع، ويقوم على أسس العمل المشترك والمصلحة العامة، لا المصالح الضيقة. وهذا ما يجب أن يكون عليه الحال فى المرحلة القادمة: نقابة لا تستبعد أحدًا، ولا تُقصى صوتًا، بل تفتح ذراعيها للجميع، وتعيد اللحمة بين أبناء المهنة. الملفات المطروحة أمام المجلس المقبل كثيرة ومتراكمة، تبدأ من تحسين البدل وتطوير منظومة الخدمات العلاجية، ولا تنتهى عند توفير السكن اللائق والدعم القانونى والمادى للصحفيين، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة التى يعانى منها قطاع واسع من أبناء المهنة. كما يطالب الصحفيون بزيادة الاهتمام بالصحفيين الشباب، وتوفير فرص تدريب حقيقية، وتعزيز قدراتهم لمواجهة سوق إعلامى متغير وسريع الإيقاع. ولا يمكن إغفال أهمية تطوير الأداء الإدارى داخل النقابة، وتحديث بنيتها التحتية وخدماتها الإلكترونية، بما يسمح بتيسير المعاملات وتوفير الوقت والجهد للأعضاء، إلى جانب تعزيز استقلالية النقابة عن أى ضغوط أو تدخلات، لتبقى كما أرادها المؤسسون: قلعة للحريات، ودرعًا للدفاع عن المهنة وأخلاقياتها. وفى ظل التحولات العميقة التى يشهدها المجال الصحفى والإعلامى، فإن الحاجة إلى نقابة قوية، مهنية، وخدمية أصبحت ضرورة لا تحتمل التأجيل. نقابة تقف بجوار الصحفى، لا فوقه؛ تفتح له الأبواب ولا تغلقها؛ تعبر عنه لا تتحدث باسمه فقط. لذلك، فإن هذه الانتخابات ليست مجرد استحقاق نقابى روتينى، بل لحظة فاصلة يُعاد فيها رسم ملامح العلاقة بين النقابة وأعضائها. وعلى الصحفيين أن يحددوا- من خلال صناديق الاقتراع- من هو الأقدر على تمثيلهم، ومن هو الأجدر بتحمل مسئولية المرحلة، بعيدًا عن الشعارات الرنانة، وقريبًا من أرض الواقع. نقابة قوية، مستقلة، عادلة، وخدومة.. هذا ما يحتاج إليه الصحفيون اليوم. ونقابة تتسع للجميع- لا لمجموعة أو تيار- هى ما يستحقونه غدًا.