سحبنى ذات يوم الولد الشقى السعدنى الكبير إلى منزل عمنا مصطفى أمين فى الثمانينيات من القرن الماضى، وقال له أكرم عاوز يشتغل صحفى ورأيك يهمه أوى يا عمنا، فنظر إلى شخصى الضعيف وقال أنت بتحب الصحافة يا أكرم، فأجاب السعدنى ده معايا فى المطابع والمكاتب فى روزاليوسف وعمره أربع سنين، وعاد عمنا مصطفى أمين ليسأل طيب شايف إنك ممكن تبدأ فى أى مجال، وارتدى السعدنى ثوب المحامى الذى يُجيب عن موكله، فقال: هو مصاحب كل أهل الفن لأنه ماشى ورا عمه صلاح زى المقطورة، ويُضيف السعدنى الكبير: هو مبهور بصلاح وكان عاوز يمثِّل، ويقاطع مصطفى أمين، السعدنى، ويقول طيب ليه مش بيمثِّل، وهنا حكى السعدنى عمنا الكبير كيف انتهى أول اختبار للتمثيل بكارثة، قررت بعدها أن أكتفى بموقع المُتفرج، وهنا ضحك مصطفى أمين، وقال للسعدنى: هو أكرم أخرس يا محمود، وأبدى السعدنى دهشته، وأجاب: لا أكرم متكلم كويس أوى ووارث مسألة الحكى ده مشروع مكالمة ما حصلتش، وهنا ارتفع تون صوت عمنا الكبير وهو يقول للسعدنى أنت ما فيش فايدة فيك يا محمود ما تسيب الولد يتكلم، وتذكر بالخير الفنان الرائع عبد الرحمن الخميسى ومقولته الشهيرة انت فى حضرة السعدنى مسموح لك بالاستماع فقط لاغير، وضحك السعدنى ومعه مصطفى أمين الذى عاد ليواسينى قائلًا: الله يكون فى عونك يا ابنى انت 24 ساعة فى حضرة السعدنى يعنى اللى يشوفك مع أبوك لازم حيفتكرك فعلًا أخرس. وبالمناسبة حظك من السما لأنك حتستمع لأعظم حكاء أنا قابلته فى حياتى وذات يوم حتبقى سعدنى صغيرًا. أما بخصوص الصحافة، لازم تعرف أن الإنسان ابن بيئته وعصره، والأحداث اللى بيعيشها هى أعظم جامعة بيتعلم فيها، جيلى وجيل أبوك عاصروا أحداثًا لن تتكرر، وإحنا قاتلنا وحاربنا واشتركنا فى الأحداث دى علشان كده بقى عندنا أساس متين بنينا فوقه، عاوزك يا أكرم تنظر حولك وتشوف البيئة اللى إحنا عايشين فيها والأحداث المملة اللى شبه مسلسل بلا إيقاع، والحياة السياسية اللى تحجرت والجامعات التى لم تعد صانعة للنخبة.. وووووو. وانتهت نصيحته بأن أهجر عالم الصحافة، إلى التجارة التى درستها فى جامعة بغداد، وحُرمت من التعليم فى بلدى بسبب السياسة، بالطبع أصابنى إحباط لا مَثيل له، وكذلك السعدنى، ورغم ذلك كله، اتجهت إلى بلاط صاحبة الجلالة. ألف رحمة ونور على الأساتذة.