طوال الأسبوع الماضى ظلت منطقة الأهرامات حديث مواقع التواصل الاجتماعي. فبعد ساعات فقط من الافتتاح التجريبى لمشروع تطوير منطقة الأهرامات ظهرت العديد من المشكلات داخل المشروع، ومنها بطء حركة نقل الزوار داخل المنطقة. بالإضافة إلى قطع الجمالة والخيالة للطريق الواصل نحو الأهرامات اعتراضًا منهم على تهميشهم -على حد وصفهم- على الجانب الآخر حاولت وزارة الآثار احتواء الوضع حيث سمحت لجميع الرحلات السياحية ذات المجموعات الكبيرة بدخول المنطقة الأثرية من خلال حافلاتها الخاصة، مع وعود بتدارك الأخطاء خلال الفترة المقبلة. ونحن نحاول هنا أن نتعرف على رؤية مجموعة من الخبراء والمتخصصين حول الطريقة المُثلى لإدارة الموقع الأثرى الأهم على مستوى العالم. الدكتورة مونيكا حنا عميدة كلية التراث الحضارى ب الأكاديمية البحرية قالت إنها منذ عام تلقت دعوة لزيارة المنطقة من جانب المهندس عمرو جزارين رئيس مجلس الإدارة التنفيذى لشركة أوراسكوم بيراميدز، لكن ما لاحظته أنه رغم مشاركة أكبر مكاتب استشارية فى العالم وصرف المليارات لكن لم يتم مراعاة ثقافة المكان، ولم يتم إشراك أصحاب المصلحة خلال العملية وهذا ما ظهر بشكل واضح عند التشغيل التجريبى للموقع. كان لابد من استشارة رأى الزائرين المحليين، والسياح، والمرشدين السياحيين. وهذه التجربة نجحت مثلًا عندما تعاملنا مع منطقة وادى الملوك بالأقصر، فقد جرى الإعداد للمشروع لما يزيد على 15 عامًا؛ لذلك عندما طبقت على أرض الواقع لم نجد مشكلة فى تنفيذ الفكرة مقارنة بما حدث فى منطقة الهرم. وهذه نقطة يجب الالتفات لها لأن خطة التطوير يجب أن تحترم السكان المحليين المتعاملين مع الموقع. معالجة الوضع وتضيف: بالنسبة لسكان منطقة نزلة السمان فلابد من دمجهم فى عملية التطوير وليس استبعادهم أو الهجوم عليهم، فخلال تسعينيات القرن الماضى طرح المجلس الأعلى للآثار خطة لنقل سكان المنطقة إلى طريق الفيوم، لكن الخطة لم تحظِ بدعم برلمانى أو تمويل حكومي. وفى عام 1999 اتخذ المجلس الأعلى للآثار إجراءات قانونية ضد جميع سكان النزلة، وكان الإجراء أن جميع الأراضى الواقعة شرق الهضبة، والتى تبلغ مساحتها 3 كيلومترات مربع هى أراضٍ تابعة للمجلس الأعلى للآثار. وفى عام 2002 قامت هيئة الآثار ببناء جدار عازل لمنع الزحف العمرانى لنزلة السمان، وتنظيم عملية الخيل والجمال. لكن بناء الجدار نتج عنه تزايد السلوكيات العدوانية تجاه المنطقة، إذ أحس السكان أن الهدف من بناء الجدار هو حصارهم وسجنهم؛ لذلك ارتفعت معدلات الجريمة ضد زوار هضبة الجيزة. وترى مونيكا أننا -فى الوقت الحالي- ورغم تفاقم الوضع أمام فرصة كبيرة لمعالجة الوضع. أول الحلول التى يمكن التعامل من خلالها هو ضرورة أن يعرف الجميع أن هضبة الجيزة بالنسبة لسكان نزلة السمان واحدة من سبل العيش الوحيدة لهم؛ لذلك وبسبب سلوك السكان المحليين، فضلًا عن غياب خطة إدارة الموقع الأثرى فالسياحة القادمة لزيارة المنطقة الأثرية تنخفض؛ لذلك من الطبيعى والمهم وجود خطة لتحويل أهالى نزلة السمان إلى شركاء ناجحين ووضعهم فى خطط الاستثمار والتطوير لمشروع الجيزة، وقد نجحت عائلة ساويرس بالفعل فى تنفيذ الأمر عندما تعاملت مع السكان المحليين فى منشأة ناصر من جامعى القمامة. أيضًا يجب إدراك أن الحلول الأمنية لإبعاد سكان نزلة السمان ليست حلًا. والحل هو إشراكهم فى عملية إدارة مجتمعهم، وهذا هو السبيل الوحيد لضمان استدامة المشروع ونجاحه. تحفظات الدكتور منصور بريك مدير عام منطقة آثار الأقصر الأسبق قال: إنه خلال عمله لمدة 20 عامًا داخل منطقة الأهرامات حاولوا فى كثير من المرات حماية المنطقة من الخيالة والجمالة إلا أن محاولاتهم لم تنجح. حيث يقول: السماح بتواجد الخيول داخل المنطقة أضر بكثير من المعالم الأثرية فى المنطقة التى تحوى أكثر من عشرة آلاف مقبرة موزعة على مجموعة من الجبانات حول الأهرامات الثلاثة، وحاولنا منعهم من الدخول بالخيول والجمال داخل الجبانات لكن محاولاتنا لم تنجح. ويرى بريك أن سوء التخطيط والتداخل طوال السنوات الماضية فضلًا عن عدم التنسيق بين السلطات المتمثلة فى وزارة الآثار، ومحافظة الجيزة فى إصدار تصاريح مزاولة المهنة لهؤلاء قادونا لهذه الكارثة. لكنه فى النهاية يؤيد فكرة تخصيص مكان للجمالة والخيالة داخل منطقة التريض وفقًا للمشروع الجديد. ويقول: المنطقة المُخصصة لهم جيدة، وهذا لا يضر مصالحهم وظروف معيشتهم الخاصة. أما فيما يخص المشروع الاستثمارى الجديد فهى محاولة جيدة لإظهار المنطقة بأسلوب حضارى ملائم. لكن هناك بعض التحفظات ومنها: أن الشركة قامت باستغلال مبنى الإدارة الهندسية والذى يقع أعلى هضبة الجيزة وكان من المفترض إزالته مع الاستراحات لكن الخطوة لم تُنفذ وللأسف قامت الشركة بطلاء المبنى بلون أبيض لا يتناسب مع بانوراما المنطقة الأثرية ولم يعترض أحد. النقطة الثانية أن الشركة تقوم حاليًا بتأجير المنطقة الواقعة أمام أبو الهول بمبالغ طائلة مع السماح بإطلاق الألعاب النارية والتى تتسبب فى اهتزازات قد تؤثر على تمثال أبوالهول الذى يعانى أساسًا من ارتفاع منسوب المياه الجوفية أسفله. أما منطقة البانوراما فيتم استغلالها فى إقامة الحفلات المختلفة وبأسعار تحددها الشركة دون أى تدخل من الآثار طبقاً للعقد المُبرم. كذلك قامت الشركة باستغلال منطقة البانوراما من خلال إنشاء مطاعم قالوا: إن إنشاءها جرى باستخدام مواد خفيفة، ولكن من يذهب للمنطقة اليوم سيكتشف حجم الإنشاءات والتوسعات التى قامت بها الشركة، فضلًا عن فرض رسوم «باركينج» على السيارات الخاصة بمبالغ مرتفعة وهو أمر يؤثر على السياحة الداخلية للمصريين فى دخول الهرم. استيعاب السكان المحليين الدكتور فكرى حسن أستاذ المصريات والعميد الأسبق للجامعة الفرنسية يرى: أن موقع الأهرامات لابد أن يضم داخله متحفًا يختلف تمامًا عن المتحف المصرى الكبير. ويقول عنه: «يجب أن يتعرف السائح على الآثار التى خرجت من المنطقة، لأن السائح لابد ألا يكتفى فقط بمشاهدة القطع الأثرية، بل يجب أن يشاهد التاريخ، هذا التاريخ لابد من إظهاره داخل بيئته الأصلية، فالسائح ينبغى أن يخرج من التجربة منبهرًا بالحضارة المصرية القديمة، وبتاريخها، وبحياة المصريين. هذا الانبهار ينبغى ألا يكون مبنيًا فقط على إعجابه بحجم الهرم!». ويكمل: أرى ضرورة تنفيذ معرض سنوى داخل المنطقة، فنحن نستهدف الحفاظ على المكان، وفى نفس الوقت تحقيق دخل. وهنا يجب ألا يطغى عنصر على آخر. فالهدف الأساسى توعية الناس بالحضارة المصرية القديمة. أما فيما يخص استيعاب السكان المحليين وإشراكهم فهذه أمور تُعد من أدبيات العمل الأثري، لكن هذا ليس معناه الخضوع لهم بشكل كامل. «المجتمع المحلى لا يمكن أن يفرض رؤيته خصوصًا إذا تعارضت رؤيته مع الآثار، وهذا يعنى أنه ليس من المُفترض القبول بفكرة مرور الخيل والجمال على المواقع الأثرية وبالتالى تدميرها. لكن استيعاب هؤلاء يجب أن يتم فى إطار واضح وهو زيادة دخلهم، ووعيهم، واهتمامهم بالمكان؛ لذلك ينبغى أن يكون هناك مجلس إدارة للموقع، هذا المجلس يضم فى عضويته: الشركات، والحكومة، والتجار، والسكان المحليين، والشرطة، والآثار، وجميع مكونات المنطقة، وبدون استبعاد أى عنصر، وهذا الأمر بهدف إدارة الموقع بشكل صحيح. ومن المهم أيضًا الاهتمام بالمجتمع الأهلي. هذا المجتمع الذى يضم الكتاب وأصحاب الرأي، والمفكرين لابد من استشارته وإشراكه بصورة دائمة. مثلما جرى مثلاً عند الاستعانة بالكاتبين الراحلين نجيب محفوظ، وجمال الغيطانى وقت أن طُرحت فكرة تطوير شارع المعز. كذلك ينبغى الرجوع للمنظمات المعنية بالتراث والأخذ برؤيتها عند صياغة المشروع، لأن المجتمع ككل لابد من إعطائه إحساساً أنه يمتلك تراثه الحي».