لطالما حملت حياة الشخصيات الدينية الكبرى، كالبابا فرنسيس، دلالات تتجاوز أبعادها الشخصية إلى ما هو إنساني وروحي عالمي، وعند لحظة النهاية، تتجلى القيم التي آمنوا بها بأسمى صورها، ما كشفه الطبيب الإيطالي الجراح سيرجيو ألفييري عن الساعات الأخيرة للبابا فرنسيس يضيء جانبا إنسانيا مؤثرا من حياته، ويمنحنا لمحة عن مواقف البابا الأخلاقية والإنسانية حتى الرمق الأخير، "بوابة أخبار اليوم"ترصد في هذا التقرير يتناول تفاصيل اللحظات الأخيرة، والقرارات المصيرية التي اتخذها البابا في أيامه الأخيرة، وتحديدًا وصيته الأخيرة التي حملت أبعادًا أخلاقية وعلمية عميقة. اقرا أيضأ|«صعوبة في النطق»| الفاتيكان يكشف آخر تطورات الحالة الصحية للبابا فرنسيس تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة البابا فرنسيس: كشف الطبيب الجراح سيرجيو ألفييري، الذي كان مقربًا من البابا فرنسيس وأجرى له عمليتين جراحيتين في عامي 2021 و2023، عن تفاصيل دقيقة وحساسة تتعلق بآخر أيام البابا، أكد ألفييري أن البابا قضى ساعاته الأخيرة في مقر إقامته ب"سانتا مارتا" في الفاتيكان، وفقًا لرغبته الشخصية، رافضًا أن ينقل إلى المستشفى رغم التدهور الملحوظ في حالته الصحية. قال ألفييري إن البابا لم يكن يعاني من صعوبات تنفسية عندما زاره في صباح يوم الإثنين الأخير، إلا أنه كان في غيبوبة، بعينين مفتوحتين ولكن دون استجابة لأي منبهات أو محاولات للتفاعل، وصف المشهد بأنه صامت ومهيب، وكانت المؤشرات الحيوية للبابا تشير إلى بداية النهاية. لحظات من الأمل قبل النهاية: على الرغم من أن حالته الصحية كانت غير مستقرة، فإن البابا بدأ في يوم السبت السابق لوفاته في حالة نفسية ومعنوية جيدة، بحسب رواية ألفييري، عبر البابا عن رغبته في لقاء الفريق الطبي الذي عالجه في مستشفى "جيميلي"، وهو ما كان من المقرر أن يتم يوم الأربعاء، هذا التفاؤل اللحظي أعطى انطباعًا مؤقتا بأن البابا ربما يتجاوز الأزمة. لكن الواقع تغير سريعًا، فجر يوم الإثنين، تلقى ألفييري مكالمة عاجلة من الممرض الشخصي للبابا، ماسيميليانو سترابيتي، يبلغه فيها بتدهور الحالة، باندفاع وحذر، توجه ألفييري إلى مقر إقامة البابا، وهناك أدرك أن الوقت قد شارف على النفاد، وأن نقله إلى المستشفى لن يُجدي، بل قد يعجّل برحيله. رفض الإنعاش الصناعي من أبرز ما أشار إليه الجراح الإيطالي هو أن البابا فرنسيس كان واضحًا تمامًا في موقفه من الإنعاش الصناعي، رفضه لأي نوع من أنواع تمديد الحياة عبر الأجهزة الطبية كان نابعًا من قناعة داخلية وإيمان عميق بضرورة الرحيل بكرامة دون تدخلات اصطناعية. في حوالي الساعة الخامسة فجر الإثنين، استيقظ البابا طالبًا كوبًا من الماء، وهي اللحظة الأخيرة التي أظهر فيها استجابة واعية، لاحظت الممرضة المكلفة برعايته تراجع التفاعل، ما دفعها لاستدعاء الطبيب المناوب،حين وصل ألفييري، وجد أن البابا يتلقى الأوكسجين والمحاليل الوريدية، لكن علامات الحياة كانت تتلاشى. وفي الساعة 7:35 صباحًا، أعلن وفاته، بهدوء وسلام، في المكان الذي اختاره لنهايته. وصية البابا الأخيرة من بين التفاصيل الأكثر إنسانية وإثارة، كشف ألفييري عن واحدة من وصايا البابا الأخيرة، والتي تتعلق بحماية الأجنة المجمدة غير المستخدمة في المراكز الطبية، رأى البابا في هذه الأجنة حياة كاملة، وعارض استخدامها في الأبحاث العلمية، معتبرا أن أي شكل من أشكال التلاعب بها هو "قتل". هذه القضية الأخلاقية الحساسة كانت تشغل البابا في أيامه الأخيرة، وقد أبدى اهتمامًا جديًا بالتعاون مع وزارة الصحة الإيطالية للبحث عن حلول قانونية وإنسانية لحماية هذه الأجنة، لم يسعفه الوقت الكافي لتحقيق هذه الغاية، لكن ألفييري تعهد بأن يستمر في هذا المسعى تكريمًا لوصية البابا. لم تكن وفاة البابا فرنسيس مجرد لحظة وداع، بل كانت نهاية تجسد فلسفة حياة كاملة،رجل اختار أن يرحل في بيته، دون تدخل طبي قسري، متمسكًا بكرامته وإنسانيته حتى النهاية. وفي وصيته الأخيرة، عبر عن رؤيته الأخلاقية للحياة منذ لحظاتها الأولى، في تعبير صادق عن مسؤوليته الروحية، هكذا رحل البابا فرنسيس، لكن صدى قراراته الأخيرة سيبقى محفورًا في وجدان المؤمنين والمفكرين على حد سواء، بوصفه قديسًا للكرامة الإنسانية، من المهد إلى اللحد.