مجرد إعلان رغبة ترامب فى إقالة رئيس الفيدرالى الأمريكى كان له وقع الصدمة ليس فقط داخل أمريكا وحدها وإنما فى العالم كله رغم أن الرئيس الأمريكى ترامب حرص على طمأنة العالم على توصل بلاده مع الصين لصفقة تنهى الحرب التجارية بينهما ، إلا أنه آثار قلق العالم باندلاع اضطراب فى الاقتصاد العالمى بما تردد داخل أمريكا عن بحثه إمكانية عزل رئيس الفيدرالى الأمريكى لعدم استجابته لتعليماته بخفض أسعارالفائدة ، وهو الأمر الذى استقبله العالم بقلق حول استقرار الاقتصاد العالمى . فإن الاقتصاد العالمى يتأثر بشدة بما ينتهجه الفيدرالى الأمريكى من سياسات نقدية.. وقد حدث عندما انتهج سياسات نقدية متشددة واتجه إلى رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم قبل ثلاث سنوات مضت أن شهدت أسواق العالم حالة واسعة من الاضطراب ، واقترن ذلك بخروج جماعى للأموال الساخنة من أسواق بلدان الاقتصاديات الصاعدة ، وكانت بلدنا واحدة منها ، وهو ما ترتب عليه أضرار بالغة لهذه الاقتصاديات كان أهم أعراضها زيادة الفجوة الدولارية مما أدى إلى انخفاض قيمة عملاتها وبالتالى اندلاع موجات تضخم عاتية فيها .. وهكذا تتأثر اقتصاديات العالم بما ينتهجه الفيدرالى الأمريكى من سياسات نقدية وتحديداً سعر الفائدة . وقد بدأ العالم يشعر بالهدوء ويستعيد الاقتصاد العالمى بعضاً من استقراره عن العام الماضى بعد أن بدأ الفيدرالى الأمريكى ينتهج سياسات نقدية جديدة ويخفض أسعار الفائدة تزامناً مع انخفاض معدل التضخم فى أمريكا.. لكن بعد أن أعلن ترامب قراراته الجمركية التى اتسعت لتشمل تقريباً العالم كله تحسب الفيدرالى الأمريكى أنها سوف تعيد معدل التضخم فى أمريكا للارتفاع مجدداً الأمر الذى سيجعله غير قادر على الاستمرار فى خفض أسعار الفائدة .. وهنا تصادم باول الرئيس الفيدرالى فى أمريكا مع رئيسه ترامب الذى يرغب فى تخفيض سعر الفائدة لدفع معدل النمو الاقتصادى .. وبعد أن أعلن باول عدم استجابته لترامب هدد الأخير بعزله من منصبه ! . وبغض النظر عن أن ذلك لا يحدث فى الدول الصغيرة وغير الديمقراطية لأن البنوك المركزية المفترض أنها مستقلة ولا يمكن عزل من يتولى رئاستها ولو بقرار من الرئيس .. فإن مجرد إعلان رغبة ترامب فى إقالة رئيس الفيدرالى الأمريكى كان له وقع الصدمة ليس فقط داخل أمريكا وحدها وإنما فى العالم كله لأنه سوف يصيب الاقتصاد العالمى بعدم الاستقرار ويهدد بنشوب الفوضى فى أرجائه لافتقاد اليقين بالنسبة للسياسة النقدية التى سوف تنتهجها أمريكا فى المستقبل المنظور وساهم فى وقع وتأثير تلك الصدمة الاقتصادية العالمية الجديدة أن ترامب وإن كان الدستور لا يتيح له إقالة رئيس الفيدرالى الأمريكى إلا أنه قد يفعل ذلك من خلال تغيير القانون المنظم لعمل ونشاط الفيدرالى الأمريكى ، وهو لديه غالبية فى الكونجرس تمكنه من ذلك . لكن فى المقابل هناك من يرى فى أمريكا أن ترامب غير قادر رغم ذلك على أن يفعلها ويقوم بإقالة باول ، لأنه سوف يواجه بمعارضة أمريكية كبيرة حتى من داخل حزبه الجمهورى .. وترامب كما يعرف الاندفاع واتخاذ القرارات المفاجئة فإنه يعرف أيضاً التراجع وإعادة النظر فى قراراته أو على الأقل تأجيل تنفيذها ، وقراراته الجمركية شاهدة على ذلك حينما أجل تنفيذها ثلاثة أشهر بعد أن أصابت بالاضطراب الأسواق الأمريكية وهبطت بقيمة الدولار الأمريكى .. بل هناك من يرى أنه بوصفه رجل أعمال يجيد طرح المستحيل فى صفقاته ليحصل على الأفضل من الممكن والمتاح .. ولذلك يرون أن التهديد بإقالة باول هو ممارسة للضغط عليه حتى يقبل بتخفيض أسعار الفائدة . وحتى إذا افترضنا صحة ذلك فإن هذا التهديد لباول وإن لم ينفذ بالفعل قد أحدث تأثيره السلبى بالفعل فى الاقتصاد العالمى، وجعل الاضطراب هو المسيطر على أسواق العالم .. لذلك فإن انتهاج سياسة نقدية مستقلة وعدم اللهاث وراء الفيدرالى الأمريكى فيما يفعله هو السبيل الصحيح الذى يتعين أن تسلكه البنوك المركزية فى بلدان الاقتصاديات الصاعدة .