قالت شبكة يورونيوز الإخبارية الأوروبية إن الحرب التجارية الحالية بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي ليست الأولى على الإطلاق مشيرة إلى أن الفترة الماضية شهدت خمسة صراعات كبرى بين القوتين الاقتصاديتين . وقالت الشبكة فى تقرير لها اليوم الاربعاء عندما فرضت الولاياتالمتحدة رسوما جمركية بنسبة 25% على واردات الألومنيوم والصلب من الاتحاد الأوروبي في منتصف مارس ، أطلقت بذلك شرارة المواجهة التجارية بين الحليفين القديمين، والتي أسفرت لاحقا عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات الأوروبية إلى الولاياتالمتحدة ورسوم جمركية بنسبة 10% على واردات أخرى . واستدركت يورونيوز قائلة إن هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها خلاف بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة بشأن التجارة ... فمن صناعة الدجاج إلى تصنيع الطائرات، كانت سلسلة من المناوشات الاقتصادية بمثابة علامات بارزة في تاريخ التحالف عبر الأطلسي . لكن هذه المرة، فإن علامات التصعيد المحتمل تتجاوز إلى حد كبير النزاعات التجارية السابقة. والواقع أن الخدمات، وخاصة التكنولوجيات، تدخل ساحة المعركة هذه المرة، بسبب الفائض التجاري للولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي في قطاع الخدمات. ◄ اقرأ أيضًا | الإندبندنت: صفقة دفاعية مرتقبة بين لندن والاتحاد الأوروبي واضافت الشبكة الأوروبية أن أول صراع بين الولاياتالمتحدة وأوروبا عرف باسم حرب الدجاج .. ففي عام 1962 ، وفي مواجهة تدفق الواردات الرخيصة من الدجاج الأمريكي، اتخذت الجماعة الاقتصادية الأوروبية التي كانت تضم آنذاك فرنساوألمانياالغربية وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج إجراءات حاسمة بفرض رسوم جمركية على الدواجن الأمريكية...وكان لهذا الإجراء تأثير فوري: إذ انخفضت صادرات الدجاج الأمريكي إلى أوروبا، وخاصة إلى ألمانياالغربية وهي سوق مستهدفة مهمة. وقدرت الولاياتالمتحدة خسائرها آنذاك بنحو 46 مليون دولار سنويا، في حين قدرت السوق الأوروبية المشتركة خسائرها بنحو 19 مليون دولار. توصلت اتفاقية الجات - سلف منظمة التجارة العالمية - في النهاية إلى حل وسط: خسائر بقيمة 26 مليون دولار. ومع وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، اختارت واشنطن الرد الانتقامي ففرضت رسوما جمركية بقيمة نحو 26 مليون دولار على مجموعة من المنتجات الأوروبية بما في ذلك الشاحنات والبراندي (مشروب كحولى) ومادة الديكسترين. وفي النهاية، لم يخرج أي من الجانبين منتصرا بشكل واضح من القضية. ودفعت أوروبا ثمنا أقل مما كان متوقعا في البداية، في حين اكتسبت الولاياتالمتحدة نفوذا من خلال التعريفات الجمركية المستهدفة. أما المواجهة الثانية فعرفت بحرب الموز .. وكانت واحدة من أطول الصراعات التجارية بين بروكسلوواشنطن، إذ استمرت لأكثر من 15 عاما. ففي عام 1993، اعتمد الاتحاد الأوروبي نظاما تجاريا تفضيليا يفضل صادرات الموز من بلدان مجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ - وهي مجموعة من المستعمرات الأوروبية السابقة في أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ - كجزء من استراتيجية لدعم الاقتصادات الهشة. لكن الولاياتالمتحدة تحدت هذا القرار، بحجة أنه يفرض ظلما على بعض شركاتها المتعددة الجنسيات التي تلعب دورا رئيسيا في تجارة الموز العالمية. وأحالت الولاياتالمتحدة الأمر إلى منظمة التجارة العالمية، التي أدانت الاتحاد الأوروبي في عام 1997. وفي عام 1998، عدل الاتحاد الأوروبي نظام الاستيراد الخاص به، ولكن ليس بدرجة كافية، وفقا لواشنطن، التي ردت بفرض رسوم جمركية على الصادرات الأوروبية مثل حقائب اليد الفرنسية وجبن بيكورينو الإيطالي، فجمعت بذلك ما يصل إلى 191 مليون دولار. ولم يوافق الاتحاد الأوروبي على خفض التعريفات الجمركية على الموز من 176 يورو إلى 114 يورو للطن إلا في عام 2009. وكانت الحرب على لحوم البقر الهرمونية هى الصراع الثالث حيث إن ما بدأ في عام 1989 كإجراء يتعلق بالصحة العامة تحول بسرعة إلى نزاع تجاري كبير آخر عبر الأطلسي . وفي ذلك العام، حظرت السوق الأوروبية المشتركة استيراد لحوم البقر المعالجة بهرمونات النمو الاصطناعية، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بسلامة المستهلك. وينص القرار فعليا على حظر تصدير لحوم البقر من أستراليا وكندا والولاياتالمتحدة. واعترضت واشنطن وأوتاوا على هذا الإجراء أمام منظمة التجارة العالمية. وبعد مرور عشر سنوات، في عام 1999، انحازت منظمة التجارة العالمية إلى المشتكين، ومنحت الولاياتالمتحدة الحق في فرض رسوم جمركية انتقامية على السلع من السوق الأوروبية المشتركة الاتحاد الأوروبي الآن بقيمة 116.8 مليون دولار سنويا. وأثرت العقوبات على الصادرات الأوروبية الشهيرة، مثل جبن روكفور الفرنسي، ولحم الخنزير الإيطالي والإسباني، والشوكولاتة البلجيكية. بعد أكثر من عشرين عاما من الجدل، تم حل النزاع أخيرا في عام 2011، حيث وافق الاتحاد الأوروبي على زيادة حصصه من لحوم البقر الأميركية عالية الجودة والخالية من الهرمونات تدريجيا؛ وفي المقابل، ترفع واشنطن رسومها الجمركية العقابية . ومثل التنافس بين بوينج وإيرباص والذى لاينتهى الصراع الرابع حيث يخوض الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة منذ 17 عاما معركة مريرة بشأن الدعم الحكومي لشركتي الطيران العملاقتين، إيرباص وبوينج. وبدأت الملحمة باتفاقية عام 1992 التي كانت تهدف إلى تنظيم المساعدات الحكومية الممنوحة لشركتي الطيران العملاقتين. ولكن في عام 2004، اتهمت واشنطن الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم غير عادل لشركة إيرباص. وبعد ذلك انسحبت الولاياتالمتحدة من الاتفاقية وقدمت شكوى رسمية إلى منظمة التجارة العالمية. وأعقب ذلك مواجهة قانونية ودبلوماسية طويلة، بلغت ذروتها في عهد إدارة ترامب الأولى. في عام 2019، سمحت منظمة التجارة العالمية للولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية على ما يقرب من 7.5 مليار دولار من السلع والخدمات من الاتحاد الأوروبي سنويا. لكن بعد عام واحد، في عام 2020، تحول البندول لصالح الاتحاد الأوروبي، عندما منحت منظمة التجارة العالمية بروكسل الحق في فرض رسوم جمركية على الواردات الأميركية ردا على الدعم الذي تتلقاه شركة بوينج. وفي عام 2021، تم الإعلان عن اختراق: اتفق الطرفان على تعليق الرسوم الجمركية، مما يمثل هدنة مؤقتة حتى عام 2026. وكانت حرب الألومنيوم والصلب الأولى هى الصراع الخامس بين الجانبين حيث بدأ النزاع في عام 2018، عندما فرضت إدارة ترامب رسوما جمركية كبيرة على واردات الصلب والألومنيوم، مستشهدة بمخاوف الأمن القومي، كما تفعل اليوم. واستجاب الاتحاد الأوروبي بسرعة من خلال تقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية وفرض تدابير مضادة على سلع أميركية بقيمة 2.8 مليار يورو، بما في ذلك منتجات شهيرة مثل البوربون والدراجات النارية وعصير البرتقال. واستمر الجمود حتى عام 2021، عندما اتفق الجانبان - تحت إدارة بايدن - على تعليق التعريفات الجمركية في خطوة أشيد بها باعتبارها خطوة نحو استعادة الثقة عبر الأطلسي. لكن هذا السلام الهش انهار الآن: إذ عادت الرسوم الجمركية الأميركية البالغة 25% إلى حيز التنفيذ اعتبارا من مارس 2025 . ورأت يورونيوز أن ما يميز المواجهة التجارية الحالية عن سابقاتها إلى جانب شدة النزاع هو الانفصال الواضح عن الدور التحكيمي الذي كانت تلعبه منظمة التجارة العالمية في السابق . تقليديا، وكما تظهر الأمثلة المذكورة أعلاه، تتم تسوية النزاعات من خلال منظمة التجارة العالمية، وهي المؤسسة المتعددة الأطراف المصممة لإدارة التوترات التجارية العالمية والتحكيم فيها. لكن الولاياتالمتحدة قامت مؤخرا بمنع التعيينات في لجنة تسوية النزاعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية وأعلنت عن فرض تعريفات جمركية "متبادلة" ضد أكثر من نصف أعضاء المنظمة. واختتمت الشبكة الأوروبية مقالها بالقول إن إلقاء نظرة على الحروب التجارية السابقة بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة يذكرنا بأن منظمة التجارة العالمية أو سابقتها، اتفاقية الجات لعبت دورا حاسما في حل النزاعات في الماضي... وهذا يظهر لنا أيضا أن لا أحد يفوز حقا في الحرب التجارية.