فى عالمنا المعاصر تبرز قضية غاية فى الأهمية بل هى كل الأهمية هى توافر الماء الذى بين أيدينا لكن يغيب عن الكثير منا ثقافة الحفاظ عليه والتفنن فى إهداره دون أدنى استفادة منه . تلك النعمة التى جعل الخالق منها كل شىء حى، كما قيل فى حقه إنه أذلّ موجود وأعز مفقود، نجد أننا نتفانى بكل لامبالاة فى كيفية هدره وإضاعته بكل الوسائل ولا يفكر أحد فينا فى تأمين إتاحته ووجوده على الدوام، فمثلا أصحاب المحال التجارية بدون تردد يتسابقون فيما بينهم فى إراقة ورشّ الكثير منه أمام محالهم وصار هذا دأبهم المعتاد يوميا وهم لا يكتفون بالقليل بل على العكس فالصنبور مفتوح يسمح بذلك . وحين مَنّ المولى على السيدة هاجر رضى الله عنها وسرى الماء بين أرجل إسماعيل عليه السلام قامت من وهلتها الأولى ودون تفكير مسبق بتحجيزه ومحاوطته منعا لتسربه وذهابه هباء، فقد علمت أنه السبيل لها للبقاء على قيد الحياة. فما بالنا وقد صار يغيب عن أذهان الكثير منا ثقافة الحفاظ على الماء بل إن تحدثت إلى بعض الناس فى ذلك انصب عليك بالسخرية وأنه موجود لا حصر له ومتاح كيفما نشاء. أذكر أنه فى إحدى حلقات المسلسل الكارتونى القديم «بكار» تم تناول تلك القضية بشكل لافت فى الحلقة فقد أسرف صديق بكار فى استعمال الماء فوقع فى مشكلة فقدانه بعد قليل وأصابه العطش الشديد وسارع لإيجاد البديل فى منزله ولدى الجيران فوجده مقطوعا ولم ينجده أحد ..حينها علم تمام اليقين كم أضاع وأهمل نعمة قريبة بين يديه وعرف كم قيمتها ومدى أهميتها منذ ذلك الحين، فكانت درسا معتبرا لمن يتهاون فى الإسراف فى سر الحياة. من أجل ذلك كله جعل الله عز وجل الهواء والماء منحة منه لا يتحكم فيهما أحد، بل وجعل سقيا الماء من أعظم الأعمال فقد صدق المولى إذ يقول «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ»..فهو أساس الحياة.