خلال سبع سنوات كانت سيناء مسرحًا للعمليات الأمنية ومعقلًا للتنظيمات الإرهابية الدولية والمحلية والتى هددت أمن مصر واستقرارها، وبفضل الجهود الحاسمة للقوات المسلحة والشرطة المدنية وتعاون أهل سيناء الشرفاء تم تطهير أرض الفيروز من دنس التكفيريين وإعلان سيناء منطقة خالية من الإرهاب.. لقد خاض أبطال القوات المسلحة البواسل معارك حاسمة خاصة فى منطقة مثلث العمليات برفح والعريش والشيخ زويد بشمال سيناء لكن ظلت منطقة حمراء أخرى هى الأخطر بوسط سيناء حيث توجد سلاسل جبال عملاقة تضم منطقتى جبل الحلال والمغارة وطالما امتلأت بعتاة المجرمين والتكفيريين. اقرأ أيضًا| ضمن «صقر 148».. سيناريو للتصدي لهجوم إرهابي على أحد الأهداف الحيوية «الأخبار» فى ذكرى تحرير سيناء ترصد المجهودات الكبرى لتطهير تلك المنطقة الخطرة وكيف تحولت إلى نموذج للنجاح الزراعى فى منطقة كانت يوماً ما غارقة فى ظلام التطرف. ملحمة القوات المسلحة فى أرض الرعب.. معارك لا تنسى فى البداية يشبه الخبراء العسكريون منطقة جبل الحلال بسلاسل جبال أفغانستان المكشوفة والمسطحة الوعرة وهى نفسها التى لم تستطع روسيا والولايات المتحدة اقتحامها وكانت سبباً فى كسر جنودهم وانسحابهم من أفغانستان وتمتد سلاسل جبل الحلال60 كيلو متراً من الشرق إلى الغرب مع ارتفاع 1700 متر عن سطح الأرض سلاسل هضاب ومرتفعات لا يدرك خطورة التعامل الأمنى فيها إلا العسكريون خاصة وأنها مليئة بكهوف ومغارات متشعبة تمتد ل 300 متر تحت الأرض. اقرأ أيضًا| محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى عيد تحرير سيناء الجبل الشهير سُمّى بهذا الاسم لأنّ كلمة «الحلال» تعنى «الغنم» لدى بدو سيناء، فقد كان أحد أشهر مراعيهم، تتكون أجزاء من الجبل من صخور نارية وجيرية ورخام، وهى منطقة غنية بالموارد الطبيعية، ففى وديان تلك الجبال تنمو أشجار الزيتون وأعشاب أخرى مفيدة، ويمتلئ الجبل الذى يشكل امتداداً لكهوف ومدقات أخرى فوق قمم جبل الحسنة وجبل القسيمة وصدر الحيطان والجفجافة وجبل الجدى، بمغارات وكهوف وشقوق عميقة للغاية. بدأت شهرة الجبل فى أكتوبر 2004، بعد تفجيرات طابا والتى استهدفت فندق هيلتون طابا، ووقعت هناك اشتباكات بين الشرطة وجماعات متورطة فى التفجيرات، وظلّ الجبل بؤرة إرهابية لعدة سنوات إلى أن قام رجال القوات المسلحة بتطهيره واعلان سيناء خالية من الإرهاب بعد معارك لا تنسى. المهمة المستحيلة كيف تم تطهير الجبل كانت تلك المهمة المستحيلة.. بعد تصاعد الهجمات الإرهابية، أصدرت القيادة السياسية والعسكرية أوامرها ب تطهير جبل الحلال ومنطقة المغارة فى واحدة من أصعب العمليات العسكرية وهو ما تحدث عنه الخبراء العسكريون حيث يتطلب الأمر القتال فى الكهوف وقيام الجنود والضباط المصريون بشن حرب غير تقليدية داخل المغارات، حيث كان الإرهابيون يختبئون ويستغلون التضاريس ..كما زرع الإرهابيون آلاف الألغام لعرقلة تقدم القوات وتم إخفاؤها بطرق يصعب استكشافها..وقاموا ببناء ميادين للتدريب على إطلاق النيران ومصانع بدائية لتصنيع العبوات الناسفة والأسلحة والطلقات. التطهير وبفضل الشجاعة والتخطيط العسكرى المحكم أعلنت مصر فى 2023 تطهير سيناء والجبل بالكامل، مما أذهل الخبراء العسكريين حول العالم، خاصة أن جيوشاً عظمى فشلت فى مهمات مماثلة، كما حدث فى جبال أفغانستان. ويقول: عبدالله الدلح أحد سكان منطقة المغارة أن مجموعات الاقتحام فى القوات المسلحة كانت تقوم بزيادة الضغط على التكفيريين ومهاجمتهم بشراسة وعندها كانوا يولون الفرار ويتركون أسلحتهم وذخائرهم إلى قمم جبل الحلال ظناً منهم أن قوات الجيش لن تستكمل مهمتها داخل كل شبر فى جبل الحلال ، وقد قامت القوات بنسف وتدمير العديد من مخازن العبوات الناسفة فى مناطق متعددة داخل الجبل. وأشار أن الجبل يتميز بصعوبة التضاريس والظروف الجوية القاسية التى تصل إلى صفر درجة مئوية والمنحدرات والصخور الحادة، ونشهد أن مستوى التدريب ووعقيدة جنودنا وتلاحم الضباط والصف والجنود مع أهالى سيناء العنصر الرئيسى لتحقيق هذا الإنجاز . ويقول اللواء عادل العمدة المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية إن ملف التنمية فى سيناء تحقق بالتوازى مع اقتلاع جذور الإرهاب فى سيناء من خلال جهود وتضحيات القوات المسلحة والشرطة، التى بدأت من خلال عدة عمليات عسكرية مثل العملية الشاملة وإنشاء قيادة قوات شرق القناة و تمت مواجهة الإرهاب واقتلاع جذوره والدليل على ذلك الأرقام و الإحصائيات . حيث شهدت سيناء ما يزيد على 1662 عملية إرهابية وبعد القضاء على الإرهاب سجلت الإحصائيات وقوع عمليتين فى عام 2022 و لم يشهد عام 2023 أى عملية وكذلك عام 2024 أى عملية و هو ما أكده الرئيس السيسى خلال لقائه طلبة الكلية الحربية بأن الإرهاب أصبح تاريخاً بفضل تضحيات رجال الجيش و الشرطة. وأضاف أن عودة حركة القطارات مرة أخرى إلى سيناء كانت إشارة واضحة إلى تحقيق الاستقرار وفرض الأمن والأمان، حيث أصبحت حركة القطارات تخرج من القنطرة شرق مروراً ببئر العبد و العريش ثم وصلت إلى طابا أى تقاطع سيناء بالعرض وهو ما يعكس السيطرة الأمنية الكاملة و تحقق اقتلاع الإرهاب من جذوره. تنمية سيناء ويرى اللواء عادل مسعود أحد أبطال حرب أكتوبر أن سيناء شهدت ظروفاً صعبة بعد ثورة 30 يونيو ،حيث شهدت أراضيها عدة أعمال إرهابية ولذلك قام الرئيس عبد الفتاح السيسى فى عام 2014 بإطلاق المشروع القومى المتكامل لحماية وتنمية سيناء على كافة المستويات أمنيًا وعسكريًا من خلال قيام رجال القوات المسلحة والشرطة بتطهير أرض الفيروز من الإرهاب إلى جانب تنفيذ شبكة بنية تحتية كبرى لم تشهدها سيناء فى تاريخها بالكامل جنبًا إلى جنب تنفيذ مشروعات عديدة تسهم فى عمليات التنمية. وأوضح أن بالفعل نجحت جهود الدولة فى خلق واقع متميز وملموس على أرض سيناء بعد أن عكفت على إدماجها فى قلب عملية التنمية الشاملة على الأصعدة كافة خلال عقد من الزمن بالتزامن مع تثبيت دعائم الأمن والاستقرار بها، حيث تعتبر شبه جزيرة سيناء محوراً أساسياً ضمن استراتيجيات التنمية المستدامة للجمهورية الجديدة لما لها من أهمية جغرافية ومكانة تاريخية بالإضافة إلى كونها أحد أهم أركان الاقتصاد المصرى بما تمتلكه من موارد ومقومات طبيعية وبشرية لتشهد أرض الفيروز خلال السنوات الماضية قفزات ملموسة فى تحسين البنية التحتية وتوفير فرص العمل وبناء الإنسان.. وأكد مسعود رفض أى محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء باعتبار ذلك خط أحمر يمس الأمن القومى لمصر مشيراً إلى أن تنمية سيناء هدفها تحقيق الأمن والارتقاء بالخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية علاوة على تعزيز الاستثمارات فى القطاعات الحيوية وربط بوابة مصر الشرقية مع محافظات الجمهورية. محطة بحوث المغارة: من الرصاص إلى القمح بعد تطهيرها بدماء الشهداء الأبطال، تحولت منطقتا المغارة وجبل الحلال بوسط سيناء من ساحة حرب إلى واحة زراعية، خضراء حيث رصدت الأخبار نجاح محطة بحوث المغارة التابعة لوزارة الزراعة فى تحقيق طفرة فى: الزراعات الحديثة من خلال إدخال أصناف جديدة من القمح والشعير تتحمل الظروف الصحراوية وزراعة النخيل والزيتون باستخدام أنظمة الرى الذكية وتطبيق تكنولوجيا التسميد الحيوى وتطوير الصوب الزراعية لإنتاج الخضروات على مدار العام. كما تم العمل على إنشاء صوب نموذجية لزراعة الخضر مثل الطماطم والباذنجان والفلفل العرايشى. ولادة جديدة وتقول د. منى مرسى أستاذ الميكروبيولوجى - شعبة مصادر المياه والأراضى بمركز بحوث الصحراء بعد تحرير سيناء من براثن الإرهاب، شهدنا ولادة جديدة للتنمية الزراعية. فبفضل الإرادة السياسية الواضحة، تحولت مناطق مثل الحسنة والمغارة - التى كانت يوماً معاقل للظلام - إلى ساحات للإنتاج الزراعى والحيواني.. وتحت رعاية وزير الزراعة واستصلاح الأراضى علاء فاروق ورئيس مركز بحوث الصحراء د.حسام شوقى وبإشراف د. محمد عزت نائب رئيس المركز للمشروعات والمحطات البحثية، نظم مركز بحوث الصحراء خلال الفترة الماضية ورش عمل علمية بمحطة بحوث المغارة بمحافظة شمال سيناء، وذلك ضمن أنشطة البرنامج البحثى والتى توقفت فى سنوات الإرهاب. وأشارت الدكتورة منى مرسى الى أهمية تطبيق الزراعة الحيوية فى الأراضى الصحراوية، ودورها فى إنتاج غذاء صحى وآمن، والحفاظ على البيئة، بالإضافة إلى أهمية تدوير المخلفات النباتية والحيوانية وان سيناء أرض واعدة تستحق المزيد هجرة المزيد من المستثمرين الزراعيين الصغار والكبار إليها. الكابوس والحلم ويقول د. حمدى حسن رئيس محطة بحوث المغارة «كنا نعيش كابوساً حقيقياً.. محطة بحوث المغارة - أحد أهم المراكز البحثية فى سيناء - توقفت تماماً عن العمل لمدة 7 سنوات بسبب الإرهاب. وتعرضت منشآتنا للتدمير، ومعداتنا للسرقة، وأراضينا التابعة للمحطة تحولت إلى ساحات لزراعة الموت والالغام بدلاً من الحياة. لكن اليوم تحقق الحلم، وبفضل تضحيات القوات المسلحة والشرطة، استعدنا المحطة بكامل طاقتها، وها نحن نحقق إنجازات غير مسبوقة نسمع صوت الجرارات بدلا من دوى الانفجارات وبدلا من طلقات الرصاص المغروسة فى الانحاء زرعنا القمح.. «لقد نجحنا فى زراعة ما من نصف مساحة المزرعة والتى تبلغ 90 فداناً بالقمح والشعير ومنتجات زراعية أخرى كالزيتون والليمون بجودة تنافس منتجات الوادى والدلتا بالإضافة إلى الطماطم والبصل والباذنجان التى تفوقت فى جودتها على مثيلاتها فى مناطق أخرى. وأوضح أن سر نجاحنا يكمن فى ثلاثية: تربة سيناء المباركة، والمخزون الجوفى الاستثنائى من المياه، والدعم الكامل من وزارة الزراعة. كنز زراعى مشيرا الى أن المشهد اليوم كما ترون هو واحة خضراء فمنطقة المغارة هى بمثابة واحة محاطة بالجبال وسيناء ليست أرضاً صحراوية قاحلة كما يظن البعض، بل هى كنز زراعى لم يُستغل بعد بالكامل. 95% من أراضى مصر صحراوية، ومع التكنولوجيا الحديثة والإدارة العلمية، يمكن تحويلها إلى سلة غذاء للوطن. نحن الآن نُجرى أبحاثاً وتجارب متقدمة ونتعاون مع أهلنا من بدو سيناء لاستخدام برامج الإرشاد الزراعى لتكون سيناء نموذجاً للتنمية المستدامة.» ونحتاج الى المزيد من الجهود المبذولة لتعزيز التنمية الزراعية المستدامة فى المناطق الصحراوية من خلال الخدمات الإرشادية والبحثية. موارد ثمينة ويقول د. فيصل فوزى نائب رئيس المحطة «فى محطة بحوث المغارة، لا نرى فى المخلفات الزراعية نفايات، بل موارد ثمينة يمكن تحويلها إلى أعلاف عالية الجودة باستخدام تقنيات التخمير والكبس الحديثة، نجحنا فى إعادة تدوير مخلفات المحاصيل لتصبح علفاً مغذياً للماشية».