«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنوز| «الساخر الأعظم» يروى لنا أهمية «العواذل» فى الكوكب الغنائى !
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 23 - 04 - 2025

يهدى كاتبنا الساخر الكبير أحمد رجب كتابه «الأغانى للأرجبانى» إلى زوجته تقديرًا وانبهارًا بقوة احتمالها عند غنائه فى الحمام، ونتخير من هذا الكتاب الأكثر سخرية وانتقامًا من أهل الغناء الذى فشل فى احترافه طوال حياته ما يكتبه عن «العواذل» فى الكوكب الغنائى فيقول:
- العذول فى الكوكب الأرضى غير العذول فى الكوكب الغنائى والعذول بلغة فقهاء اللغة هو العاذل أى اللائم والفعل عذل يعذل أى لام يلوم، وعذول أى كثير اللوم، فهى صيغة مبالغة مثل كذوب أى كثير الكذب، وانقرض العذول من زمان فى الكرة الأرضية لأن آخر عذول شهدته الأرض تبين أنه مومياء تنتمى إلى العصر الحجرى الأول أيام كانوا يضربون العاشق بالحجر والطوب إذا اجترأ واختلس النظر إلى مشربية المحبوب التى لا يظهر منها للعين أى محبوب، وعند فحص تلك المومياء وجدوا فى يده اليمنى شومة غليظة، وفى يده اليسرى بقايا من شعر بنت كان يجرها على الأرض، وعلى جدران المقبرة رسوم وكتابات لشاب مبطوح ودمه سايح مكتوب تحته «كان ماشى كده وعينه منها» ورسم للبنت اللى كان عينه منها وهى مربوطة فى رجل السرير ورأسها محلوقة «زلبطة» !
اقرأ أيضًا| مؤرخ موسيقي: أم كلثوم ظلّت وفية لجذورها الريفية رغم المجد والشهرة
كان الحب فى ذلك العصر سفالة أخلاقية وقلة أدب وسفوخس واللى اختشوا ماتوا، ولهذا كان العاشق الذى يختشى يموت بالحيا حرمانا وكتمانا، وكان العاشق الذى لا يختشى يموت من الضرب، وكانت أخطر المغامرات الغرامية التى يقوم بها العاشق كما يقول محمد عبد الوهاب «مريت على بيت الحبايب»، حامدًا الله شاكرًا فضله بعد المرور على نجاته من رجالة الحتة، وكانت أقصى أمانيه تقول «امتى الزمان يسمح يا جميل، واقعد معاك على شط النيل»!
وفى ذلك العصر، لم يكن جدى «بوي فريند» لستي قبل زواجه منها، فلم يكن مسموحًا للعريس برؤية عروسته إلا فى ليلة الدخلة، فكان يمسك قلبه بيده توجسًا وهو يهم بالنظر إليها فى تلك الليلة، إذ كانت العروسة وقتها بالنسبة لعريسها كالبطيخة، يا طلعت حلوة، يا طلعت قرعة، وفى ذلك المجتمع الغابر كان الأصل هو اللاحب والاستثناء هو الحب سرًا، فإذا ما ذاع السر وانكشف تحول اسمه من «حب إلى فضيحة بجلاجل وشخاليل» وبناء عليه كان العذول هو سيد الموقف القوى، فقد كان مندوبًا ساميًا للعذول الأكبر صاحب السلطان والهيلمان «المجتمع»، وتغيرت الدنيا وستي تغيرت تمامًا، وانقرض العذول مع «الحبرة والبرقع وقربة السقا وطاسة الخضة والمشربية»!
اقرأ أيضًا| شاهد البرومو الترويجي لمهرجان الموسيقى العربية 2023.. "كوكبة غنائية ضخمة"
لكن العذول لا يزال موجودًا فى الكوكب الغنائى إلى يومنا هذا، وسوف يظل موجودًا غدًا وبعد غد وإلى أبد الآبدين تطبيقًا للمادة الثامنة من دستور «الكوكب الغنائي» التى تنص على أنه لا حب ولا حبيب بلا عذول، والحكمة من هذا النص تأمين سعادة العاشق الغنائى الغرامية بتوفير المزيد من المتاعب والغم والهم والدموع حتى تكتمل له متعة الحب الحقيقى، وهذا هو السبب فى وجود العذول بكل أغنية، فكما تحتم قوانين الكوكب السينمائى وجود شرير فى الفيلم يقرف البطل فى عيشته، تحتم قوانين الكوكب الغنائى وجود الشرير الغنائى المسمى بالعذول فى كل علاقة حب، وحكومة الكوكب الغنائى أشد حرصًا على راحة العاشق بتوفير المتاعب له أكثر من العاشق نفسه، ولهذا تجرى بين حين والآخر حملات تفتيشية على العشاق لتسأل العاشق:
اقرأ أيضًا| مهرجاني أسوان وروتردام يحتفلان بالذكرى الخمسين لوفاة أم كلثوم
فين عذولك؟، وهنا يبرز العاشق المستند الرسمى الذى يبين اسم عذوله وتاريخ قيده فى مكتب تسجيل العواذل، وشيء عادى أن يدور هذا الحوار بين صديقين من أهل الكوكب الغنائى:
ازى أحوالك؟
زفت بعيد عنك، تتصور مش لاقى عذول يقرفنى فى عيشتى!
لا من ايه ده ؟
أى والله زى ما بقولك !
لا حول ولا قوة إلا بالله .. اسمع .. ما تعيلش هم !
ازاى بس ماعيلش هم .. دى مصيبة !
رقبتى سدادة .. أنا مستعد أعملك عذول وأطين لك عيشتك معاها !
ربنا ما يحرمنيش منك .. مش عارف أشكرك ازاى ؟
يا راجل ماتقولش كده دحنا أخوات.. ادينى عنوانها خللينى أروح أضربك زنبة عندها !
ح تقول لها إيه ؟
حقول لها أنك ندل.
ربنا يخليك لى ويقدرنى على رد جميلك اللى مش ح نساه !
من هنا فحصول العاشق الغنائى على عذول يحقق عنده الرغبة الملحة فى أن يعيش دائما فى مشكلة طاحنة تهد حيله، خاصة العشاق قليلى البخت، الذى يرتبط الواحد منهم غراميًا بمحبوبة مصابة «بالبرود الدموعى» أى أنها مرحة وظريفة ولطيفة ومخلصة ولا تثير له أى متاعب، مريحة جدًا، ولا تكف عن الابتسام فى وجهه، ولا تتوقف عن التفكير فيه والسؤال عنه كلما غاب عن عينيها، وتحاول أن تشعره أنه أمتلك الدنيا وما عليها بها، ومثل هذه المحبوبة ذات البرود الدموعى هى نكبة، فهى لا تشبع نزعات الإنسان الغنائى البكائية، وقد يتعذر على العاشق الغنائى الحصول على عذول، فينشر الإعلان التالى فى الصحف : «عاشق مرتاح من القرف ويعيش فى هناء مؤسف، يطلب فورًا عذولًا مدربًا ينكد عليه عيشته مقابل مكافأة مغرية، ويشترط فى العذول أن يكون لبقًا ومقنعًا وخبيرًا فى إثارة المشاكل بالدس والوقيعة» !
والإنسان الغنائى يلجأ إلى نشر مثل هذا الإعلان عندما يفشل فى الحصول على عذول مناسب من طائفة العواذل الجائلين الذين يقطنون أشهر حى فى الكوكب الغنائى وهو درب العواذل، فهم يجوبون الشوارع حيث ينادى الواحد منهم «أنا العذول يا عاشق أنا العذول»، وبعضهم يطلق نداءه منغومًا: «أنا العذول اللى يجيب داغك.. ويطربقها على دماغك»، فيناديه عاشق مرتاح لم يعثر بعد على عذوله ويسأله: «تقدر تقول لها إيه عنى ؟»
ازاى تحبى واحد حمار زي ده ؟ ، وأقول لها « ضبطناك مع الشغالة»!
على فكرة .. هى عندها فكرة عن المسألة دى وسامحتنى والمسألة اتساوت خلاص !
طيب أقوللها أنك حرامى ومختلس ورايح فى ستين داهية!
عارفة أنى باختلس علشانها!
ومن هنا يتبين لنا صعوبة مهمة العواذل التى قد تبدو فى ظاهرها يسيرة وهى غير ذلك، لأن العذول الغنائى لا يقول إلا الحقائق التى يعرفها الحبيب الملوم عن حبيبه وراضى بيها وساكت عليها وعلى قلبه أحلى من العسل، فتلك عاشقة تعرف أن حبيبها متجوز وعنده ربع دستة عيال، وأخرى تعلم أنه تاجر شنطة وحرامى، وهذا على دراية بأن لمحبوبته ملفًا فى مكتب الآداب، وآخر على يقين بأن العشرين شابًا الذين قدمتهم إليه ولا واحد منهم ابن خالتها، والنتيجة كلمة يقوله الحبيب الملوم للعذول هى: «طظ»، ولا يمكن حصر النصوص الواردة من الكوكب الغنائى والتى تحمل كل منها كلمة «طظ.. قول يا عذول مهما تقول احنا حبايب وانت عذول»
أحمد رجب من «الأغانى للأرجبانى»
وصية «روزاليوسف» ورثاء «التابعى» لها
مضى على رحيل السيدة «فاطمة اليوسف» 67 عامًا بعد أن قدمت فى شبابها أمجادًا على خشبة المسرح وعرفت فنيًا بلقب «روزاليوسف» التى كانت أول سيدة تقتحم عالم الصحافة بتأسيس المجلة التى حملت لقبها وتوسعت فيما بعد لأصدار «صباح الخير» وكتبت لنفسها الريادة فى بلاط صاحبة الجلالة الصحافة، وأنجبت لمهنة البحث عن الحقيقة واحدًا من أنبغ كتابها على المستوى الأدبى والصحفى وهو أمير الرومانسية إحسان عبد القدوس، وكان يوم رحيلها فى العاشر من إبريل عام 1958 يومًا حزينًا فى شارع الصحافة الذى فقد سيدة نادرة لا تتكرر، وجهت لابنها إحسان رسالة عندما عينته رئيسًا لتحرير «روزاليوسف» قالت فيها:
ولدى رئيس التحرير.. عندما اشتغلت بالصحافة وأسست هذه المجلة كان عمرك خمس سنوات، وقد لا تذكر أنى حملت العدد الأول ووضعته بين يديك الصغيرتين وقلت: «هذا لك»، ومرت عشرون عامًا قضيتها وأنا أراقب فى صبر وجلد نمو أصابعك حتى تستطيع أن تحمل القلم، ونمو تفكيرك حتى تستطيع أن تقدر هذه الهدية التى كونتها بيدى وأعصابى خلال سنين طويلة لتكون اليوم لك، والآن.. وقبل أن أضعك أمامى لأواجه بك الناس، دعنى أهمس فى أذنيك بتوصية أم إلى ابنها ووصية جيل إلى جيل: مهما كبرت ونالك من شهرة، لا تدع الغرور يداخل نفسك.. الغرور قاتل، كلما ازددت علمًا وشهرة فتأكد أنك لازلت فى حاجة إلى علم وشهرة، حافظ على صحتك، فبغير الصحة لن تكون شيئًا، مهما تقدمت بك السن فلا تدع الشيخوخة تطغى على تفكيرك.. بل كن شاب الذهن والقلب وتعلق حتى آخر أيامك بحماسة الشباب، حارب الظلم أينما كان، وكن مع الضعيف على القوى.. ولا تسأل عن الثمن، حاسب ضميرك قبل أن تحاسب جيبك.. ولعلك فهمت، كن قنوعا، ففى القناعة راحة من الحسد والغيرة، وثق أنى معك بقلبى وتفكيرى وأعصابى، وأخيرا . دع أمك تسترح قليلًا.
وإذا ما ذكر اسم «روزاليوسف» فلابد أن يكون مقرونا باسم أمير الصحافة محمد التابعى الذى لجأت له عندما فكرت فى تأسيس مجلتها التى ولدت على يديه وصنع منها مجلة يخشاها الكبير والصغير فى عالم السياسة والفن والثقافة، وفى اليوم التالى لرحيلها نشر الأستاذ التابعى مقالًا قصيرًا فى جريدة «الأخبار» بتاريخ 11 إبريل 1958 يقول فيه :
- «القلم لا يطاوعنى لأن أكتب عن روزاليوسف ميتة.. إنه نفس القلم الذى كثيرًا ما كتب عنها وهى نجمة المسرح وكوكب الصحافة، كيف يستطيع القلم الذى كتب شهادة الميلاد أن يكتب شهادة الوفاة! لست أعرف كيف أبدأ.. روز اليوسف لم تكن بالنسبة لى صديقة فحسب، وإنما كانت شريكة الشباب.. كانت رفيقتى فى الكفاح الطويل الشاق.. كانت جزءًا من صراعى فى الحياة وكنت جزءًا من حياتها المليئة بالعرق و الدم والدموع..!
كان اسمى يظهر إلى جوار اسمها فى عشرات المجلات التى أصدرناها.. فى قضايا الصحافة.. فى محكمة الجنايات.. فى معارك الحرية التى خضناها.. فى قصة الطغيان التى عاشتها الصحافة فى عهود الاستبداد.. وكنت أجد فيها الصديق الوفى.. والزميل القوى والشريك فى المحن والخطوب.. رأينا الفشل معًا والنجاح معًا.. وذقنا الإفلاس معًا والأرباح معًا.. ومررنا فى الهزائم جنبًا إلى جنب.. وانفضت شركتنا ولم تنقطع صداقتنا.. وفرقتنا الأيام ولكنها لم تستطع أن تنسينا ذلك الماضى الملىء بالأحلام والآلام.. وها هى تذهب.. وأشعر أن جزءًا منى قد ذهب معها.. إنها أيام الشباب».
■■■
رحم الله الرائدة الكبيرة «روزاليوسف»، وآدم الصحافة الحديثة وأميرها المتوج محمد التابعى، وبقى أثرهما فى «روزاليوسف» وصباح الخير «وآخر ساعة».
«كنوز»
«العقاد» يسبح فى نهر التماسيح !
يقال عنى إنى صارم فى تفكيرى.. مع أنى لا انقطع عن الضحك ورفع الكلفة بينى وبين أصدقائى.. ويقال عنى أنى أحب العزلة.. وفى الواقع أنا فى عزلة عن الجماعات والجماهير ولكننى فى المجالس الخاصة بين أصدقائى لا أحب العزلة.. وأنا لا أعرف التوسط فى الصداقة والعداوة سواء فى إبداء الرأى أو العلاقات الشخصية.. ولا يمكننى أن أفهم الأسلوب» المودرن» فى السياسة.. فالمجرم فى حق وطنه أقاطعه وعاطفتى تتشكل نحوه حسب هذا الاعتقاد.. وأنا لا أحمل على إنسان إلا إذا اعتقدت أنه يستحق هذه الحملة.. وإذا ما حملت على إنسان لا أتوسط فى حملتى عليه.. لأن الشخص الذى يسيء إلى وطنه وإلى الإنسانية يجب أن نقاطعه وأن نحمل عليه وإلا اعتبرناه أقدس من الإنسانية والوطن.
وأنا أعمل عن حب لما أعمله، وأحب أن احتفظ بحريتى، ولا أحمل أحدًا مسئولية كتابتى أو آرائى، وأميل إلى التنظيم والمثابرة ولذلك استطعت أن أجمع بين العمل فى مجمع اللغة العربية والتأليف والسياسة والصحافة والبرلمان فأعطى لكل منها حقه.
وكنت أمارس السباحة وأنا طالب فى أسوان مع خطورة السباحة هناك حيث التماسيح تهدد كل من يجازف بالسباحة.. وقد أفادتنى هذه الرياضة من الناحية النفسية فعلمتنى المجازفة التى كانت سبب نجاحى فى الحياة.
«الشحرورة» تكشف عن حبيبها !
طلبت مجلة «الكواكب» من المطربة «صباح» أن تكتب لها قصة قصيرة عن الحبيب الذى هجرته بحثًا عن حبيب جديد، فكتبت تقول :
- «لم تكن أكثر من نظرة، ثم بعدها كان الحب بكل ما فيه من شوق ولهفة، ولم أستطع أن أقاومه، كل شيء فيه يجذبنى إليه فى قوة وعنف، فعندما وقع بصرى عليه للمرة الأولى، شعرت بقلبى يدق وعقلى يفكر، وروحى تناديه، وأحلام عذبة تهتف بى أن أقضى فى حبه العمر كله، كان جميلًا وأنيقًا، يخلب ألباب النساء، ويوقع بهن دون أن يهتز له رمش!
ما أسعد تلك اللحظات التى يطرق فيها الحب باب القلب للمرة الأولى، لقد أحسست أن سعادتى قد تعلقت به وأننى يجب أن أحصل عليه مهما كلفنى الامر!.
يبدو أن ارتباطنا كان مكتوبًا فى لوحة القدر، مثلما كان لقائى به مقدرًا فى طريق الصدفة، مددت يدى إليه، أحسست باللمسة الحلوة تسرى فى عروقى خلال جسدى كله، فهل هو الحب؟!
ومشينا معًا نقطع الطريق فى صمت إلا من صوت الضربات الحانية الرقيقة التى ترقص فى قلبي، أحسست بنظرات الحسد ترمقنى من كل سيدة مررت بها، فقد كان جميلًا وأنيقًا وتود كل سيدة لو كان من حظها، كان يسير معى ملتصقًا بى وكأنه يخشى أن أفلت منه، وكنت أتشبث به وكأننى أخشى أن يكون ذلك كله حلمًا.
صحبته معى إلى البيت، وقضيت فى أحضان بيبى أسعد أيام العمر، ولكن كيف تخمد جذوة الحب وينطفئ دفء القلب سريعًا هكذا، هل هى سنة الحب، أم أن الإنسان بطبعه سريع الملل، والقلب سريع التقلب، هل فتر حبى له لكثرة ما اقترب منى واقتربت منه ؟ هل زهدته بعد أن حصلت عليه وأصبح ملك يدى ؟ ربما.. فالذى حدث هو أننى مللت ذلك الذى كنت أعتقد أننى ملكت الدنيا كلها حين حصلت عليه دون كل النساء !
أما هو فقد أخذ يذكرنى بأيامنا الماضية الحافلة بالحب والهناء، ولكن كيف يعود الحب للقلب، هيهات، لقد ألقيت به لأبحث عن غيره، يكون أكثر أناقة وجمالًا.
نعم.. ألقيت به فى الدولاب بعد ذلك.
إنه الفستان القديم!.
صباح «الكواكب» 30 أغسطس 1960
■ يا عطشانين للحب أهلا بيكم فى حَيّنا
■ أهلا لحضن الأمان والمخدة الحِنيّنة
■ لو زرتونا مرة واحدة وشفتوا العَيّنة
■ ح تلاقوا مافيش فى الدنيا أبدا زَيّنا !
بيكار
قوميتنا فى مصريتنا
بقلم: أحمد لطفى السيد
لو كان الإغريق حينما ملكهم الأتراك خرجوا من قوميتهم ونبذوا حفائظهم الجنسية واحتقروا الانتساب إلى بلادهم ونسوا أنَّهم اليونان، لبادت شخصيتهم وماتت فى نفوسهم أطماع الاستقلال ببلادهم ولاستحال عليهم أن يَسْتَرِدُّوا شرفها، لكنَّهم على الرغم من ضعفهم احتفظوا بقوميتهم ولم يُخْزُوا أوطانهم بالانتساب إلى غيرها فَفَازُوا بما كانوا يطلبون.
والطليان ضعفوا ووقعوا تحت حكم النمسا وفرنسا فلم يستردوا استقلالهم ولم يستعيدوا مجدهم إلا باستمساكهم بقوميتهم وحُبِّهِمْ لبلادهم، فما سمع عن أحدهم أنه قال إنَّه فرنساوى ولو كان من أصل فرنساوى، ولا قال إنَّه نمساوى ولو كان من أصل نمساوي، بل كلهم ينتسب إلى إيطاليا، ولولا تَشَبُّثُهُمْ بالانتساب إلى بلادهم لما تضامنوا فى احتمال مصائبها ذلك التضامن الذى أَدَّى بهم آخر الأمر إلى شرف الاستقلال، ثم إلى السمو إلى مَصَافِّ الدول العظمى الاستعمارية.
كذلك نحن المصريين نُحب بلادنا ولا نقبل مطلقًا أن ننتسب إلى وطن غير مصر، مهما كانت أصولنا، أقمنا فى مصر وطنًا لنا وعقدنا معها عقد صدق ترزقنا من خيرها ونقوم على مصالحها ونفدى شرفها بأرواحنا، فما النَّزَرُ اليسير الذى لا يزال يحب الانتساب إلى قوم غير المصريين أو إلى وطن غير مصر إلا ناكث عهده ومُتَاجِرٌ بشرفه، إذ من القواعد الأولية للعيشة الإنسانية أن «الغُرْمَ بِالْغُنْمِ» فالذى يعيش فى مصر يجب أن يدفع ثمن هذه العيشة الراضية مَحَبَّةً لها وحنانًا عليها، وأقل أقدار المحبة عدم عقوقها والانتساب إلى غيرها.
أرأيت أنَّه يَحِلُّ للمرء أن يقطع نسبه لعائلته إذا وقعت فى الضعف أو فى الفقر ثُمَّ هو بعد ذلك يعتبر نفسه رجلًا شريفًا ؟ أليس إقرار المصرى بانتسابه إلى العربية أو التركية، لا يدل إلا على أنَّه يحتقر وطنه وقومه وما الذى يحتقر قومه إلا مُحْتَقِرٌ لنفسه.
على أنَّ الانتساب إلى مصر لا يمكن أن يكون عارًا، فإنَّ مصر بلد طيب قد ولد التمدن مرتين وله من الثروة الطبيعية والشرف القديم ما يكفُل له الرقى متى كرم أهلوه وكرمت عليهم نفوسهم وكبرت أطماعهم فاستردُّوا شرفه وسَمَوْا به إلى مجد آبائهم الأولين.
قوميتنا أولها أن نكرم أنفسنا ونكرم وطننا فلا ننتسب إلى وطن غيره ونخصه وحده بكل خيرنا وكل منافعنا ونحيطه وحده بكل غيرتنا، فما هو أصغر من أن يُصبح من أعلى الممالك ولا أجدب من أن يصير من أغنى البقاع، فالذى يُفَرِّطُ فى شرف مصر ويقول فى المجالس: إنَّه منتسب إلى غيرها، يؤخر بمقدار مركزه فى الجمعية المصرية سير التقدم المصرى المطلوب ويكون بذلك جانيًا على بلاده جانيًا على نفسه.
وإنَّه لَيَسُرُّنَا أنَّ هذا الفهم قد أصبح عامًّا فى الأمة بعد أن اعتقد الناس أنَّ رُقِيَّ مصر لا يجيئها من الخارج بل هو نتيجة عمل أبنائها وأنَّ الاتكال على غير المصريين فى حل المسألة المصرية لمصلحة مصر ضَرْبٌ من العبث، وليس العمل على هذه النظرية جديدًا فى مصر، فإنَّ محمد على باشا الكبير كانت أقواله المأثورة وأعماله المشهورة تدل بجملتها على أنَّه يلحظ فيها تطبيق نظرية القومية المصرية، وجرى على سننه خلفاؤه الأمراء وكثير من ذوات مصر وأعيانها وأخذ الجيل الجديد الحاضر يفضل البضاعة المصرية على غيرها بقدر الإمكان ويرغب فى تمصير المدنية الأوروبية على قدر الإمكان، ويُؤْثِرُ منفعة المصريين جهد المستطيع، كل ذلك يبشر بأنَّ القومية المصرية ستستأثر فى عهد قريب بقلوب المصريين، ولا يكون منهم إلا من يرى من الشرف العظيم الانتساب إلى هذا الوطن المحبوب.
«الجريدة» 9 يناير 1913


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.