بأسلوب مرح وبسيط تساءل ليشرح: هل أستطيع بيع شقتى أو أرضى أكثر من مرة؟ الجواب: نعم! تحيرنا الاستشارات القانونية المجانية والنصائح التطوعية التى تزخر بها وسائل التواصل الاجتماعى على ألسنة العديد من المحامين. تتناقض الآراء فى الموضوع الواحد لتثبت أن القانون حمّال أوجه، وأن المحامى الشاطر هو من يستغل ثغرة فى القانون وينفذ منها حتى لو لم يكن الحق مع موكله. الألاعيب كثيرة يتوه معها السذج من أمثالي. لتبرز إزاءها كضوء الشمس الساطع عبارة «القانون لا يحمى المغفلين» التى تحولت بقدرة قادر إلى ما يشبه المبدأ القانونى، وتلوكها ألسنتنا دون تأمل لما وراءها من كوارث. هل القانون فعلًا لا يحمى المغفلين أو المستضعفين؟ فمن يحمى إذًا، ولمن وضع هذا القانون؟ أيقظتنى على الخطورة الداهمة لهذه المقولة مشاهدة فيديوهات متعارضة على مواقع التواصل الاجتماعى. الفيديو الأول لمحامٍ يبدو أنه فى منتصف العقد الخامس من عمره يشدد على ضرورة أن يحصل مشترى أى عقار سواء كانت وحدة سكنية أو قطعة أرض على حكم بصحة توقيع البائع ليضمن حقه وأن يرفق الحكم بوكيل من البائع للمشترى بالبيع للنفس. إلى هنا تمضى النصيحة مطمئنة إلى حد ما، إلا أن فيديو آخر صاحبه محامٍ يحمل لقب مستشار ويبدو فى نفس جيل المحامى السابق يعنى تقريبًا يحملان باعًا متقاربًا من الخبرة القانونية، يفجر هذا الأخير فى وجوهنا قضية البيع المتعدد لأكثر من شخص دون تأثيم للبائع النصاب! مستندًا فى كلامه إلى أحكام محكمة النقض. وبأسلوب مرح وبسيط تساءل ليشرح: هل أستطيع بيع شقتى أو أرضى أكثر من مرة؟ الجواب: نعم! طيب لو كنت حضرتك أحد المشترين هل تستطيع رفع دعوى نصب ضدى لأننى قمت ببيعها لك ولغيرك؟ الجواب: لا. طيب ولو قمت برفع القضية ضدى؟ سأحصل على البراءة! لماذا وكيف؟ لأن المبادئ المستقرة عليها من أحكام محكمة النقض تقضى بعدم انتقال الملكية إلا بعد تسجيل العين فى الشهر العقارى أو فى السجل العينى أو بالحصول على حكم بصحة ونفاذ العقد وليس مجرد حكم بصحة التوقيع التى لا تنشئ إلا التزامات شخصية بين الطرفين. (عكس كلام الأول) وهذا يعنى أن البائع لشخص بعقد عرفى أو بتوكيل بالبيع للنفس أو بكليهما دون أن يقوم المشترى بتسجيل هذا العقد بالشهر العقارى فلن تنتقل ملكية العقار إلى اسم المشترى وسيظل على اسم البائع. معنى ذلك أن البائع يمكن أن يبيع نفس العقار لأكثر من مشترٍ ويحصل على الأثمان كلها ويترتب على ذلك أن يتشاجر المشترون المضحوك عليهم فيما بينهم أيهم يملك العقار. هل هو صاحب العقد الأقدم أم صاحب العقد الأحدث أم من وضع يده على العقار؟ فى هذه الحالة يمنح القانون الحيازة أفضلية على الملكية لهذا يُنصح دائمًا بسرعة وضع اليد على العين وتغيير عدادات مرافقها باسم الحائز. بمناسبة الحديث عن الحيازة آلمنى كثيرًا ظهور إحدى المحاميات الشابات وهى تنصح الرجال بكيفية التحايل على زوجاتهم «الستات القادرات»- حسب تعبيرها - للحصول على تمكين من شقة الزوجية حتى لو كانت الشقة ملك الزوجة وباسمها، باعتبار أن هذه الشقة هى محل سكنى الزوجية!! هل يمكن أن يحمى القانون زوجًا ارتضى أن يعيش فى مسكن تملكه زوجته وأن ينازعها ويناكفها فيه لدى وقوع الخلاف بينهما؟ وأن يتخلى عن المبدأ الشرعى بقوامة الرجل ومتجاهلًا له؟ الأدهى أن الأستاذة تحذر الرجال من فقدان هذا «الحق» فى حالة الطلاق! لو صح كلام هذه المحامية فأغلب الظن أننا بحاجة ملحة لمراجعة الكثير من القوانين المدنية وقوانين الأحوال الشخصية، فكم من الظلم يرتكب باسم العدالة العمياء.