فى خضم حرب عبثية لا تفرّق بين البشر والحجر، وقفت مصر كما عهدناها، صخرة فى وجه الطوفان، وصوتًا عاقلاً وسط ضجيج المدافع ومزايدات المزايدين. منذ اللحظة الأولى للعدوان على غزة لم تتوانَ القيادة المصرية عن إعلان الموقف الواضح: لا تهجير لا تلاعب بالثوابت لا حلول على حساب الفلسطينيين أو على حساب أمن مصر القومي. يتحرك الرئيس السيسى فى دوائر معقدة بثبات من يدرك حجم المسئولية من القاهرة إلى العريش، ومن الدوحة إلى الكويت، حاملاً رسالة واحدة: وقف الحرب وحماية المدنيين والدفع نحو تسوية عادلة. ومَن يتأمل المشهد جيدًا يرى: أن مصر لا تخوض معركة دبلوماسية فحسب بل معركة وجود ومبادئ فى وجه الاحتلال وفى وجه بعض الأصوات التى تحاول أن تبيع دماء الفلسطينيين فى أسواق السياسة. نجحت مصر فى فرض سرديتها على الطاولة الدولية. لم تعد مفردات الاحتلال تلقى التصفيق ، ولم يعد العالم يُخدع بذريعة «الدفاع عن النفس». أوراق كثيرة احترقت فى يد نتنياهو بينما ترتفع الأصوات الأوروبية داعمةً لحل الدولتين ومعلنة الاعتراف القريب بالدولة الفلسطينية. هذا التحول ليس صدفة بل نتيجة جهد مصرى متراكم وخطاب عقلانى لم يحد يوما عن جوهر القضية. فى لحظة إقليمية شديدة الحساسية تتجلى مركزية الدور المصرى وتثبت القاهرة أن الكلمة الأقوى لا تكون دائما بالبندقية بل بالعقل والاتزان والثبات على المبدأ.