فى هوجة الافتكاسات يأتى الدكتور سعد الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر - كعادته - ليثير جدلاً فقهياً حول الميراث، جدلاً ليس مجاله منابر مخاطبة الرأى العام، بل مجاله الذى قد يكون مناسباً هو قاعات الدرس للمتخصصين. فتوى الهلالى بعدم وجود نص قرآنى يمنع المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث، قول يراد به باطل خاصة مع وجود نص قرآنى واضح، ولا يقبل التأويل (للذكر مثل حظ الأنثيين).. وبالتالى لا مجال للمساس بنص قطعى بهدف اللعب فى الثوابت. فى رد دار الإفتاء المصرية الشافى والوافى على فتوى الهلالى أكدت أن المقصد الحقيقى من وراء تلك الدعوة هو زعزعة قدسية النص القرآنى المنظم لقضايا الميراث.. وفى اعتقادى أن رأى دار الإفتاء فى هذا الصدد يقطع قول كل خطيب. الأجدى من اللعب بالثوابت أن يكثف علماء الدين لدينا من الأحاديث التوعوية بخطورة حرمان الإناث من الميراث المقرر لهم شرعاً، وهى عادة تنتشر لدى بعض فئات المجتمع، ومازلنا نعانى من تأثيراتها. ودون تهويل أو تهوين، على خبراء التشريع عندنا إيجاد قانون إذا كان لا يوجد أو تعديل القانون حال وجوده، بما يضمن تغليظ عقوبة حجب الميراث عن الإناث، مع جواز التعويض شريطة أن يكون مناسباً مع أسعار السوق لنصيب البنات من الإرث وبرضائهن. قوانين الميراث أصل وفريضة فى الشريعة، ولا يجوز اللعب فيها، وعدم خلط الأوراق بين الفريضة والتصرفات الفردية، كتنازل أخ لأخته عن جزء من ميراثه، أو تنازل أخت لأخيها عن جزء من ميراثها، مراعاة لظروفه من باب صلة الرحم والإحسان، لكن فى كل الأحوال فالتصرفات الشخصية لا يجب اتخاذها كتشريع عام ملزم للجميع. تحديث الخطاب الدينى ضرورة تفرضها تطورات المجتمع وثورة المعلومات والتقنيات، واختلاف التوقيت والظروف والتحديات، لكن لا يجب اتخاذ هذا الهدف النبيل مطية للجدل واستعراض العضلات للنيل من أحكام قطعية شرعها الله تعالى، بهدف ركوب الترند، وجرياً وراء شهرة زائفة. السؤال الآن: أليست المحاسبة واجبة على من يصدر تلك الافتكاسات، لتكون بمثابة رادع لكل من تسول له نفسه اللعب فى الثوابت، أو الترويج لسلوكيات غريبة مريبة، أو المجاهرة بالإثم على منابر تخاطب المجتمع ككل. الردع ثم الردع...