بقلم: أميرة إبراهيم الحياة الدنيا دارُ ابتلاءٍ واختبار، لا يسلم فيها أحدٌ من المصائب والمحن، فهى مزرعة الآخرة، وموطن التمحيص والتربية الإيمانية.يقول تعالى فى محكم آياته: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» «البقرة: 155». الابتلاء سنةٌ إلهية ماضية، لا تتخلف، والصبر عليه هو مفتاح النجاة، والميزان الحقيقى لصدق الإيمان، وبه يُميز الله الخبيث من الطيب، والصادق من المدّعي. فالمولى يبتلى عباده لحِكَمٍ عظيمة، منها تمحيص القلوب، وتهذيب النفوس، وتطهيرها من الذنوب. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له» «رواه مسلم» ومن الحكم الربانية فى الابتلاء: تكفير الخطايا ورفع الدرجات، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا همّ ولا حزن، ولا أذى ولا غمّ، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه» «رواه البخارى ومسلم». والابتلاء يُظهر معادن الناس، ويكشف حقيقتهم، فالصادق يصبر ويحتسب، والمنافق يجزع ويسخط. كما قال الله تعالى:«أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ» «العنكبوت: 2». وتتنوّع صور الابتلاء، فقد يكون بفقد الأحبة، أو بالأمراض والأسقام، أو بالخسائر فى المال، وقد يكون بالطاعات كالصبر على العبادة، أو بالمعاصى كالصبر عن الشهوات، بل وقد يكون بالنعم، حين يُبتلى العبد بالغنى والسلطة والجاه، فيُختبر: هل يشكر أم يطغى؟ ولكى يثبت المؤمن أمام هذه الامتحانات، لا بد له من رسوخ اليقين فى قلبه، وإيمان عميق بقضاء الله وقدَره، إذ يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. كما أن احتساب الأجر من أعظم ما يهوّن البلاء، فإن الله وعد الصابرين بقوله:«إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» «الزمر: 10».ولا غنى فى البلاء عن الدعاء واللجوء إلى الله، فهو الملجأ والركن الشديد، وقد أمرنا ربنا فقال:«وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ» «البقرة: 45». والذكر يشرح الصدر ويزيل الكرب، والنظر إلى قصص الصابرين من الأنبياء والصالحين كنوح وأيوب وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، يمنح القلب ثباتًا ونورًا. ومن ثبت وصبر، نال مغفرة الله ورحمته، كما قال تعالى:«أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» «البقرة: 157». والصبر سبب لمحبة الله، ففى الحديث القدسي: «إذا أحببت عبدًا ابتليته، فإن صبر اجتبيته» «رواه الطبرانى بإسناد حسن».كما أن الصبر يُورث الرفعة والدرجات العالية فى الجنة، حيث ينال أهله الجزاء الأوفى بلا عدّ ولا حساب.. وختامًا، فإن الصبر هو زاد المؤمن فى رحلة الحياة، وسلاحه فى مواجهة تقلباتها، وهو النور الذى يُضيء ظلمات المحن، والعين التى ترى فى البلاء حكمة ورحمة. فليوقن المؤمن أن مع العسر يُسرًا، وأن الفرج قريب، وأن ما عند الله خيرٌ وأبقى.