طارق فهمى الحديث عن قيادة جماعية قد يكون هو الأنسب ولكنه غير واقعى أو عملى ولن تقبل به الأطراف يستعد المجلس المركزى الفلسطينى لاستحداث منصب نائب للرئيس محمود عباس فى اجتماعه المقبل، فى جلسة استثنائية من شأنها أن تتوج سلسلة من التغييرات الأوسع منذ نشأة السلطة الفلسطينية، حيث تلقى نحو 180 عضوًا فى المجلس المركزى لمنظمة التحرير الفلسطينية دعوات للاجتماع فى رام الله لاستحداث منصب نائب للرئيس فى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكان المجلس الوطنى، باعتباره البرلمان والمرجعية للمنظمة والسلطة معاً، قد فوَّض المجلس المركزى فى عام 2018 بتولى مسئولياته ويُفترض أن يناقش المركزى فى اجتماعه المقبل قضايا عدة من بينها استعادة غزة والوحدة الوطنية، واستحداث منصب نائب لرئيس المنظمة، ولكن ليس بالضرورة تسميته، وينص النظام الأساسى للسلطة الفلسطينية على أنه فى حال شغور منصب الرئيس لأى سبب كان، مثل الوفاة أو فقدان الأهلية، يتولى رئيس المجلس التشريعى منصب الرئيس لمدة 60 يومًا تجرى فى نهايتها انتخابات عامة للرئاسة. سبق هذا الإجراء إعلان الرئيس محمود عباس أثناء القمة العربية الطارئة عزمه إجراء تغييرات على السلطة، وهو ما بدا وقتها تكتيكًا منه لتجاوز الخطة الإسرائيلية فى عدم التعامل مع السلطة الفلسطينية وربما تفكيكها فى الضفة الغربية، فيما أكد الرئيس محمود عباس فى خطابه فى القمة العربية وقتها أنه سيُعيّن نائبًا لرئيس منظمة التحرير ودولة فلسطين، وسيُجرى التعديل المطلوب فى النظام الأساسى لمنظمة التحرير، وسيُعيد هيكلة الأطر القيادية للدولة، وضخ دماء جديدة فى المنظمة وفى حركة فتح وأجهزة الدولة، معلنًا كذلك إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من الحركة، واتخاذ الإجراءات التنظيمية الواجبة لذلك. فى السياق السابق ثمة نقاشات مطروحة حول أمرين: استحداث المنصب وتكليف عباس باختيار نائبه فى مرحلة لاحقة - وهو أمر مرجح، ويعطى الرئيس صلاحية واسعة وإجراء استحداث وتسمية نائب للرئيس فى الجلسة الانتخاب خاصة أن قرار تعيين نائب لعباس - إن تم - سيكون واحدة من أهم الخطوات التى تستجيب لطلبات الإصلاح من جهة، وتفويت الفرصة على الحكومة الإسرائيلية من جهة ثانية، وتؤمن انتقالاً مستقرًا للسلطة خاصة أن مسألة تعيين نائب للرئيس الفلسطينى كانت مثار نقاش منذ سنوات طويلة بعدما سيطرت حماس على المجلس التشريعى الفلسطينى. معلوم أن الرئيس محمود عباس قد حل المجلس التشريعى قبل سنوات، وأصدر نهاية العام الماضى مرسومًا دستوريًا نص على أنه فى حال شغور منصب الرئيس يتولى رئيس المجلس الوطنى المنصب لمدة 90 يومًا تجرى فى نهايتها انتخابات عامة للرئاسة وفى الأغلب أن تعيين نائب لعباس فى المنظمة لا يغير شيئًا إذا لم يُعلَن نائبه فى المنظمة نائبًا له فى رئاسة السلطة كذلك. فى السياق العام سيرتبط أى تغيير بردود فعل دولية، حيث تُظهر مواقف الأطراف المعنية حول حكم غزة بعد الحرب خلافات واسعة، إذ يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أى وجود للسلطة الفلسطينية فى قطاع غزة معتبرًا إياها ضعيفة وغير مؤهلة، بينما تتحدث إدارة ترامب عن خطط متناقضة بينما تسعى دول عربية إلى تشكيل قوات ولجان تشارك فيها السلطة بدايةً قبل أن تتسلم القطاع فى وقت لاحق. فى المجمل فإن تعيين نائب للرئيس محمود عباس سيكون أوضح رسالة على أن السلطة تتغير فعلاً والنائب الذى يُتوقع أن تكون له صلاحيات واسعة، أى بمثابة رئيس فعلى، يأتى على رأس أجهزة أمنية متجددة كذلك وحكومة جديدة نسبيًا خاصة أن عباس قام بتغييرات فى الأجهزة الأمنية وعين رؤساء جددًا لأهم الأجهزة، وجاء غالبيتهم هذه المرة من حرس الرئيس الخاص وشملت التعيينات الجديدة قرارات بتعيين اللواء إياد الأقرع مديرًا عامًا لجهاز الأمن الوقائى، واللواء نضال شاهين قائدًا لجهاز الاستخبارات العسكرية، واللواء العبد إبراهيم خليل قائدًا لقوات الأمن الوطنى، واللواء أنور رجب مفوضًا لهيئة التوجيه السياسى والوطنى، واللواء أكرم ثوابتة قائدًا لجهاز الدفاع المدنى، وقبلهم بفترة أعلن عن ترقية العميد علام السقا إلى رتبة لواء، وتعيينه مديرًا عامًا للشرطة الفلسطينية وقد سبق أن أقال الرئيس محمود عباس مئات الضباط برتبة عميد، وأحالهم للتقاعد بمرسوم رئاسى وجاء فى نص القرار أنه يهدف إلى إعادة هيكلة الموارد البشرية فى قوى الأمن الفلسطينى بما يتلاءم مع خطط تطوير الأجهزة الأمنية ومن الواضح أن حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة، أقرب شخصية للموقع، لكن تعقيدات كثيرة داخل حركة فتح قد تَظهر كعقبة محتملة وثمة مقترح داخل الحركة بتوزيع المناصب بعد الرئيس محمود عباس، أى تولى 3 مسئولين كبار من فتح 3 مواقع يشغلها الرئيس محمود عباس الآن. إن الحديث عن قيادة جماعية قد يكون هو الأنسب ولكنه غير واقعى أو عملى ولن تقبل به الأطراف المعنية، ولحين إجراء التعديلات الرئيسية فى هيكل النظام الفلسطينى، وهو أمر سيحتاج لبعض الوقت الأمر الذى يعنى أن الحديث عن قيادة مؤقتة من أعضاء اللجنة المركزية أمر مطروح، ولكن الإشكالية الحقيقية فى احتمالات أمد المشهد، وانفتاحه على غرار تأجيل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى أجل غير مسمى، ولا توجد فرص حالية فى ظل استمرار الحرب فى قطاع غزة والمؤكد أن ثمة تغييرات حقيقية ستجرى على هامش مؤسسات السلطة الفلسطينية وأن الرئيس محمود عباس مدرك لضرورة التغيير المطلوب وأن الرجل بحكم مسئولياته الوطنية قادر على التغيير فى الوقت الراهن أمد الله فى عمره لأن البديل ليس مجرد خيارات مطروحة بل سيناريوهات متعددة قد تعصف بأى استقرار موجود، ما يتطلب العمل الاستباقى وبصورة عاجلة.