فى كل عام وقبيل قدوم شم النسيم تنطلق حملات الهجوم المكثف على عالم وعائلة الأسماك المملحة بكل أفرادها وعلى اختلاف أشكالها وتعدد أنواعها. وعادة ما تبدأ هذه الحملات اللفظية والتحذيرية بالنصح والإرشاد، والدعوة للاعتدال فى تناول هذه المأكولات، نظرًا لما يمكن أن تسببه من مشاكل ومتاعب صحية لكبار السن ومرضى القلب والضغط وغيرهم. ثم تتطور الحملات إلى التحذير من مغبة التناول والإشارة الواضحة إلى الأخطار والمصائب الناجمة عن التهور غير محسوب العواقب للإسراف فى تناول هذه الأسماك غير مأمونة الجانب. وقد تزداد هذه الوتيرة التحذيرية تصاعدًا وحدة لتصل إلى مستوى المطالبة بالمنع والدعوة للتحريم، وصولًا إلى المطالبة بعدم الاقتراب أو التصوير من جانب هذه الفئات موضع الاستهداف بالخطر الكامن والمتوقع لأى محل من محلات بيع الأسماك المملحة عمومًا. والفسيخ والملوحة على وجه الخصوص. وفى ظل ذلك أصبح البعض منا على وشك الظن، وبعض الظن إثم، أنه من غير المستبعد قيام بعض هؤلاء الداعين للمنع والمحذرين من الأخطار الكامنة فى الأسماك المملحة، بالتقدم بمشروع قانون أو قرار يحرم تناول هذه المأكولات الخطرة، كما حدث مع منع وتحريم تناول الملوخية فى سالف العصر والأوان. وفى سياق التصعيد فى الحملة ضد الأسماك المملحة رأينا استخدام السلاح الطبى والصحى فى تلك الحملة والحرب المعلنة عليها، وذلك بهدف الردع والتخويف من ارتكاب ذلك الفعل المكروه. فهذا طبيب يحذر فى الفضائيات وعلى صفحات الصحف، من الإفراط فى تناول الفسيخ أو الملوحة، وهذه طبيبة تؤكد الخطورة التى تهدد من يتهور ويتناولها، وغيرهما هناك من يحذر من المصير السيئ الذى ينتظر من يفعل ذلك. ولكن المثير للاهتمام والانتباه فى كل ذلك، هو تكرار هذه الحملات فى كل عام، ولكن الأكثر إثارة هو أن هذه الحملات لم تفلح فى وقف المصريين عن السعى لارتكاب نفس الفعل كل عام ولم تمنعهم من الإقبال على التهام الأسماك المملحة فى شم النسيم من كل عام على مدار سبعة آلاف عام وحتى الآن.