فى جهد سياسى جديد، حاولت بريطانيا الدخول على ملف الأزمة السودانية بالدعوة إلى عقد أعلنت مؤتمر عُقد ليوم واحد الأسبوع الماضى فى العاصمة لندن بمناسبة الذكرى الثانية لاندلاع المواجهات بين الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع خاصة وأن المواجهات أدت إلى أكبر أزمة إنسانية فى العالم، لكنها تُركت باستمرار فى ذيل قائمة الأولويات الدبلوماسية العالمية. ويُقدر أن نصف سكان السودان يعانون من نقص حاد فى الغذاء، مع نزوح 12 مليون شخص. وعُقد المؤتمر برئاسة مشتركة من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى والاتحاد الأفريقي وتم دعوة عدد من الدول المعنية بالملف السودانى وفى المقدمة منها مصر والسعودية والإمارات وقطر وبعد دول الجوار الأفريقى للسودان إثيوبيا وكينيا وتشادوجنوب إفريقيا وأيضا أمريكا وكندا والنرويج وكان الهدف وفقا لمصادر مطلعة هو توحيد الشركاء الدوليين حول موقف مشترك، وإيصال المزيد من الغذاء والدواء إلى السودان، والبدء فى رسم الطريق لإنهاء الأعمال العدائية. اقرأ أيضًا | الجيش السوداني يتصدى لهجوم جنوب الفاشر عرضت بريطانيا موقفها من خلال الكلمة الافتتاحية التى ألقاها ديفيد لامى وزير الخارجية البريطانى حيث استعرض الوضع المأساوى على الصعيد الإنسانى وقال: «لقد فقد الكثيرون الأمل فى السودان-وهذا خطأ-إنه خطأ أخلاقى أن نرى قطع رؤوس هذا العدد الكبير من المدنيين، وأطفالاً صغاراً يتعرضون للعنف الجنسي، وعدداً أكبر من الناس يواجهون المجاعة أكثر من أى مكان آخر فى العالم، ببساطة لا يمكننا أن نتجاهل ذلك». وتابع قائلا: «عامان فترة طويلة للغاية، فقد دمرت الحرب الوحشية فى السودان حياة الملايين، ومع ذلك فإن الكثير من العالم لا يزال ينظر بعيدا». وأضاف قائلا: «نحن بحاجة إلى التحرك الآن لمنع الأزمة من التحول إلى كارثة شاملة، وضمان وصول المساعدات إلى أولئك الذين هم فى أمس الحاجة إليها». وقال وزير الخارجية البريطانى إنه زار الحدود السودانية فى وقت سابق من هذا العام وإن «الأطراف المتحاربة أظهرت تجاهلاً مروعاً للسكان المدنيين وأن هذا المؤتمر سيجمع المجتمع الدولى للاتفاق على مسار لإنهاء المعاناة». وأضاف قائلا: «يجب ألا ينتشر عدم الاستقرار، فهو يدفع الهجرة من السودان والمنطقة ككل، ووجود سودان آمن ومستقر أمرٌ حيوى لأمننا القومي. ولن تسمح المملكة المتحدة بنسيان السودان». كما دعى إلى الإبقاء معبر أدرى الحدودى بين تشاد والسودان مفتوحًا بشكل دائم. ورغم تمديده لمدة ثلاثة أشهر فى فبراير، لا يزال هذا الطريق حيويًا لإيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة من النزاع. ولعل الملاحظة الأولى تغيب طرفى النزاع ولم تتم دعوة أى من الأطراف القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع على خلفية كما ذكرت مصادر مطلعة أن الوقت مازال مبكرا جدا أمام المفاوضات المباشرة بينهما حتى لو كان تحت مظلة دولية أو اجتماع مثل الذى دعت إليه، مما أثار حفيظة الحكومة السودانية والذى جاء فى رسالة وجّهها وزير الخارجية السوداني، على يوسف، رسالةً إلى لامى احتجاجًا على استبعاده. وقالت الخارجية السودانية إن يوسف وجّه رسالة خطية إلى لامى «نقل له فيها اعتراض السودان على عقد بلاده مؤتمرا بشأن السودان دون توجيه الدعوة للحكومة السودانية». وانتقد يوسف «نهج الحكومة البريطانية الذى يساوى بين الدولة السودانية، ذات السيادة والعضو بالأمم المتحدة منذ 1956، ومليشيا إرهابية (الدعم السريع) ترتكب الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والفظائع غير المسبوقة ضد المدنيين». واستعرض يوسف، ما قالت الخارجية السودانية إنها «شواهد تدل على تساهل بريطانيا مع المليشيا» ودعا الحكومة البريطانية إلى مراجعة سياستها نحو السودان، والانخراط البناء مع حكومته، «استنادا على الروابط التاريخية بين البلدين». ومن الملاحظ أيضا صدور البيان الختامى للمؤتمر عن رعاة المؤتمر الثلاثة بريطانيا والاتحاد الأوربى والاتحاد الإفريقى تناول سبل انهاء المأساة الإنسانية فى السودان ووقف الحرب ودعوة المجتمع الدولى لمنح الأولوية القصوى لمنع أى تقسيم للسودان أو انهيار مؤسساتها والدعوة الى ترك الشعب السودانى وقواه المدنية لتحديد مستقبلهم السياسى كما أشاد بنتائج مؤتمر القاهره التى رعته مصر فى يوليو من العام الماضى خاصة وأنه الوحيد الذى نجح فى دعوة ممثلين عن كل الفصائل الشعب السودانى ويبدو أن الخلافات بين بعض المشاركين فيه حالت دون صدور البيان باسم كل الدول المشاركة فى ظل وجود تباين فى المواقف من الحرب والانحياز الى ايا من طرفيها. ويبقى إنجاز مؤتمر لندن فى تسليط الأضواء على الوضع الإنسانى فى السوداني، وقالت وزارة الخارجية البريطانية إن الحرب فى السودان تركت أكثر من 30 مليون شخص فى حاجة إلى المساعدة، بينما نزح أكثر من 12 مليون شخص مع انتشار المجاعة فى جميع أنحاء البلاد. وأضافت أن نحو 12 مليون امرأة وفتاة معرضات أيضًا لخطر العنف الجنسى يضاف إلى تفاقم المأساة تخفيضات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للمساعدات الإنسانية فى السودان، فضلاً عن سحب التمويل من المجموعات الأكاديمية التى كانت تراقب جرائم الحرب وتفاقم المجاعة. ودعوة منظمات غير حكومية، مثل هيومن رايتس ووتش، المؤتمر على التأكيد على أهمية حماية المدنيين، بغض النظر عن وقف إطلاق النار. وحتى قبل انعقاد المؤتمر، قالت كيت فيرجسون، المديرة المشاركة لمنظمة «نهج الحماية» غير الحكومية: «إن البلاد تعيش لحظة حرجة بالنسبة للمدنيين فى السودان مع تطور مناطق السيطرة تحت سيطرة القوات المسلحة المختلفة بسرعة ويواجه المدنيون طيفًا متزايدًا من الهجمات المتنوعة». وأضافت: «نحن بحاجة إلى آلية جديدة للمضى قدمًا فى حماية المدنيين، هذه لحظة مناسبة لخلق شيء جديد، وهو أمرٌ نحن فى أمسّ الحاجة إليه مثل تشكيل مجموعة اتصال». ومضت فيرجسون قائلة: «إن المواطنين يواجهون تهديدًا ثلاثيًا لا يمكن تصوره يتمثل فى الصراع المسلح، وجرائم الفظائع القائمة على الهوية، والكارثة الإنسانية». كما قالت شاينا لويس من منظمة آفاز المعنية بحقوق الإنسان: «إن الحل الأمثل لحماية المدنيين هو إعادة تأهيل شبكات الاتصالات، حيث إن أكثر من 25 مليون شخص معزولون عن الإنترنت، ولا يستطيعون إرسال الرسائل النصية أو إجراء المكالمات الهاتفية، هذا يعادل عزل نصف سكان إنجلترا عن العالم الخارجي، وهذا ما يفسر صعوبة تغطية الإعلام للأحداث فى السودان». يضاف الى ذلك نجاح المؤتمر إعلان بريطانيا عن حزمة مساعدات للسودان بقيمة 120 مليون جنيه إسترلينى ويأتى التمويل البريطانى الأخير علاوة على حزمة مساعدات بقيمة 113 مليون جنيه إسترلينى للبلاد أعلنت عنها الحكومة البريطانية فى نوفمبر الماضي، كما تعهد الاتحاد الاوربى ودوله بتقديم اكثر من 522 مليون يورو. هكذا وعلى صعيد العمليات العسكرية فقد شهدت الأسابيع الأخيرة انتصارات مهمة للجيش السودانى وتتناقص مساحات سيطرة «الدعم السريع» فى ولايات السودان لصالح الجيش. ففى ولاية الخرطوم، التى تتشكل من 3 مدن، أحكم الجيش قبضته على مدينتى الخرطوم وبحري، فيما يسيطر على معظم أجزاء مدينة أم درمان، باستثناء أجزاء من غربها وجنوبها.ومنذ أواخر مارس الماضي، تسارعت انتصارات الجيش فى الخرطوم بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات بمحيطه، والمطار، ومقرات أمنية وعسكرية، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب قبل عامين. وفى الولايات ال 17 الأخرى، لم تعد «الدعم السريع» تسيطر سوى على أجزاء من ولايتى شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب فى ولايتى جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور (غرب)، بينما يسيطر الجيش على الفاشر عاصمة شمال دارفور، الولاية الخامسة فى الإقليم.