بورسعيد: أيمن عبد الهادى جريمة جديدة وبدت غريبة جدًا، رغم أنها تندرج تحت مسمى الابتزاز، لكن أسلوب التخطيط لها وتنفيذها كان شنيعًا إلى درجة كبيرة، لكن الجهات الأمنية سرعان ما حلت اللغز وألقت القبض على مبتز السوشيال ميديا وأحالته الى النيابة العامة. فى البداية تجد الضحية نفسها أمام رسائل من مجهول، يطالبها فيها بأن تخضع له، وتنفذ أوامره، تحت عنوان «مش هقتلك.. لكن هخليكى تتمنى الموت إذا لم تنفذى ما طلبته منه»!، اغلب الضحايا يظن فى البداية أنها رسائل وصلت إليهن عن طريق الخطأ، لكن ما يحدث بعد ذلك يكون بمثابة الصدمات المتوالية، حيث تجد الضحية عشرات الاتصالات تأتى اليها، أو تصل إلى هواتف أهلها، ليشيرون إلى أن هناك منشورا على موقع التواصل الاجتماعى يشير إلى وفاتها فى حادث، وبعد ساعات تتلاحق المنشورات والتى تحكى عن قصص جنسية مزيفة للضحايا مع المشاهير. تفاصيل ما حدث فى بورسعيد نكشفه من خلال السطور التالية. تلقت السيدة صافي عبد التواب، مثل كثيرات غيرها، رسالة مجهولة تحمل تهديدًا مبطنًا، تجاهلتها في البداية، لكن ما حدث بعدها كان كفيلًا بتحطيم حياتها بالكامل؛ ففي صباح عادي، وبينما كانت تتابع هاتفها، فوجئت بمنشورات تنتشر كالنار في الهشيم تعلن وفاتها، وتربط اسمها باتهامات مشينة وعلاقات مختلقة. لم يكن الابتزاز ماديًا فقط، بل نفسيًا وإنسانيًا.. صورة كاملة من الانهيار عاشتها هي وغيرُها من الضحايا، قبل أن تتحرك الأجهزة الأمنية وتكشف عن واحد من أخطر قضايا الابتزاز في بورسعيد، وتضع يدها على المتهم الذي زرع الرعب الإلكتروني في قلوب النساء. اقرأ أيضا: السجن 5 سنوات لعاطل بالإسكندرية بتهمة ابتزاز إحدى السيدات عبر شبكة الإنترنت خبر الوفاة «كان بيقوللي: هخليكي تموتي وانتي عايشة»، وتتابع صافي في بلاغها للجهات الأمنية: ثم فوجئت بمنشور على «فيسبوك» فيه صورتها، وخبر كاذب عن وفاتها، والناس بدأت تتصل بيا، في ناس بكت، وبعدها كلمت أسرتي الأول علشان أطمنهم، المتهم بعدها نشر بوست لوفاة زوجي ثم ابنتي الصغيرة، وبعدها نشر منشورات كاذبة واتهامات بعلاقات غير اخلاقية بيني وأشخاص مشاهير لا أعرفهم، وهو ما دفعنى إلى تقديم بلاغ بما حدث إلى الأجهزة الأمنية. مع تكرار البلاغات، بدأت خيوط القصة تتضح أمام رجال المباحث في بورسعيد، معظم البلاغات كانت من نساء شابات، بينهن موظفات وطالبات، وحتى سيدات متزوجات وأمهات، القاسم المشترك: جميعهن تلقين تهديدات، إما بنشر صور مفبركة أو بخوض في العرض والسمعة، مقابل مبالغ مالية، أو خضوع كامل لرغبات المبتز. من بين الضحايا فتاة تعمل في التسويق، أكدت أن المتهم نشر لها محادثة مفبركة تزعم وجود علاقة بينها وأحد أقاربها، وأرسلها لأفراد من أسرتها، «كان بيقولي بالحرف: هبوّظلك حياتك.. مش هقتلِك، بس هخليكي تتمني الموت»، تقول وهي تبكي. شقيقة المتهم ما صدم المحققين أن المتهم لم يتردد في إيذاء أقرب الناس إليه.. شقيقته إحدى الضحايا قالت أثناء التحقيق: «حكى لي إنه بدأ مع أختى الأخرى، لما رفضت تساعده في حاجة نشر لها صورًا قديمة، وقال عنها حاجات مشينة»، أمام هذه التفاصيل، وصفه أحد الشهود بأنه «عديم الضمير.. ما عندوش حتى حد أدنى من الأخلاق». بتوجيهات من اللواء تامر السمري، مساعد وزير الداخلية ومدير أمن بورسعيد، تشكل فريق بحث بقيادة اللواء ضياء زامل، مدير المباحث، لملاحقة المتهم، وتتبع الفريق الحسابات التي كان يستخدمها، وتمكن بعد أيام من الرصد والتحقيق من تحديد هويته الحقيقية ومكان تواجده. بعد استصدار إذن من النيابة العامة، تمت مداهمة المكان الذي كان يختبئ فيه، وتم القبض عليه دون مقاومة تُذكر، تحفظت القوات على هاتفه المحمول، والذي وُجدت فيه أدلة دامغة على تورطه في وقائع الابتزاز، شملت رسائل، وصورًا، وتسجيلات صوتية. دعم وتحقيقات كلمات الدعم بدأت تصل لصافي من نساء وفتيات تعرضن لنفس الأذى، بعضهن التزمن الصمت خوفًا من الفضيحة، والبعض الآخر بدأن في كسر حاجز الخوف، تقول صافي: «لما اتقبض عليه، حسيت إني خدت نَفَس عميق بعد غرق طويل.. بس لسه وجع الناس في قلبي.. عايزة حقي، وحق كل واحدة مكسورة بسببه». وعلى جهة أخرى، قررت جهات التحقيق حبس المتهم «م. ص. ع. ا» لمدة 4 أيام على ذمة التحقيقات، وبدأت في مواجهة المتهم بالمحتوى الموجود على هاتفه، بالإضافة إلى أقوال الضحايا. المفاجأة الأكبر كانت وجود محادثات مع أشخاص من خارج مصر، في دول مثل المغرب ولبنان، ما يشير لاحتمال ارتباط المتهم بشبكة أوسع للابتزاز الإلكتروني. رغم القبض عليه، ما زال كثير من الضحايا في حالة صدمة، يفضلن الصمت، ويعيشن تحت وطأة الخوف من نظرة الناس. تقول واحدة منهن: «أنا مش قادرة أقول لحد، حتى أمي.. هتصّدقني؟ ولا هتصدق اللي شافته على الموبايل»؟! نعود مرة أخرى إلى صافى والتى اختتمت حديثها قائلة: نعلم جميعًا علم اليقين أن القضاء المصري سوف يقتص لنا بتوقيع أقصى عقوبة على المتهم، ليكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه استغلال التكنولوجيا في تدمير حياة الآخرين، وأكدت أن العقاب وحده لا يكفي، بل يجب على المشرع أيضًا تغليظ العقوبة في مثل هذه القضايا، وأن يكون هناك تحرك مجتمعي حقيقي لحماية النساء من جرائم الابتزاز والتشهير.