معركة الرسوم الجمركية المشتعلة بين الصينوأمريكا ليست سوى محطة فى حرب تجارية طويلة وباهظة بين أكبر اقتصادين فى العالم يستخدم فيها كل طرف كامل أسلحته لضرب خصمه، حتى لو كان هذا الضرب تحت الحزام. هذا ما بدأنا نرصده عندما أغرق الموردون الصينيون منصات التواصل الاجتماعى بفيديوهات تكشف أسرار صناعة البرندات العالمية مثل «بيركين»، و«إستى لودر»، و«بوبى براون»، و«شانيل»، و«لويس فويتون»، و«جوتشى» و«هيرميس» وغيرها، بما فى ذلك التكلفة الحقيقية لخطوط الإنتاج وخامات وطرق التصنيع. اقر أ أيضًا | أمريكا تفرض عقوبات على مصفاة نفط صينية «للضغط على إيران» ومن خلال صور وفيديوهات للعقود وعمليات الإنتاج فضح الصينيون برندات فاخرة تدعى أنها «صُنعت فى أمريكا» بينما تُنتج بكميات كبيرة فى مصانع صينية سرًّا. كما كشفت كيف تستخدم العلامات الفاخرة نفس الخامات ونفس المصانع التى تُنتج علامات تجارية أقل شهرة لكن بفارق رهيب فى الأسعار. على سبيل المثال يظهر أحد المقاطع تصنيع حقيبة «بيركين»، التى تباع ب 39,000 دولار بينما لا تتكلف سوى 1,400 دولار فقط. ويظهر مقطع آخر أحد السراويل بتكلفة 5 دولارات تُطابق سراويل «لولوليمون» التى يبلغ سعرها 100 دولار. وقد أثارت هذه الكشوفات عاصفة من الجدل داخل أمريكا وخارجها حول الأرباح الباهظة التى تجنيها هذه «البرندات» مقابل شعارها، لتأتى الضربة القاتلة بإعلان الموردين الصينيين إمكانية البيع المباشر لتلك السلع الفاخرة من المصنع للمستهلك وبأسعار بخسة. هذه الفيديوهات التى أضرت كثيراً بالبرندات الأمريكية خدمت الصين بشكل كبير، حيث كشفت هيمنة بكين على قطاع التصنيع فى كافة السلع، من حقائب برادا، لساعات رولكس وحتى السيارات الكهربائية، وأعادت صياغة الصين كمركز للحرفية عالية الجودة، مبددة خرافات البرندات الغربية والمزاعم المتعلقة بجودة شعار «صنع فى الصين». ويضاف لتلك المكاسب ازدهار المنتجات الصينية بسبب ارتقاء مستوى التصنيع، حيث يرتفع رصيد البرندات الصينية الرائدة يومًا بعد يوم، مثل دى جى آى، وهواوى، وبى واى دى، ونيو، وشاومى، وأنتا، وغيرها بعدما استطاعت التفوق على مثيلاتها الأمريكية من حيث التكلفة وسرعة وجودة التصنيع. وأكبر مثال على ذلك قرار شركة «تيسلا» الأمريكية وقف استيراد طرازى S وX من الصين بسبب تفوقها، حيث ان السيارات الكهربائية الصينية أنظف وأكثر تطورًا وأسرع فى التسويق. ضربة أخرى وجهتها الصينلأمريكا عندما فرضت قيودًا على تصدير 7 عناصر أرضية نادرة تُستخدم فى تقنيات الدفاع والطاقة والسيارات. ووفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يهدد هذا القرار إمدادات أكثر من 12 شركة أمريكية للدفاع والفضاء، تُشارك فى إنتاج كل شىء من الطائرات المقاتلة للغواصات والدرون والصواريخ وأنظمة الرادار، ما يعنى ان تحول هذه القيود لوقف كامل للإمدادات سيؤثر مباشرة على القدرات العسكرية لواشنطن، ويمنح بكين ميزة استراتيجية حاسمة فى المنافسة طويلة الأمد معها على التفوق العسكرى والتكنولوجى، وفقًا لمركز «تشاتام هاوس». وتستخرج الصين 70٪ من المعادن الأرضية النادرة فى العالم، وتعالج 90٪ من المعروض العالمى، وهو وضع لطالما ناسب العملاء الغربيين نظرًا للمشاكل البيئية المرتبطة بالإنتاج - حيث لا يوجد إنتاج للمعادن الأرضية النادرة فى أمريكا، ولهذا تسعى واشنطن لمصادر بديلة بما فى ذلك من أوكرانيا وجرينلاند. فى المقابل تشحذ إدارة الرئيس ترامب كل أسلحتها لضرب خصمها حيث أعلنت رفع الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية إلى 245٪. ونقلت ساحة المعركة إلى «وول ستريت» بالتلويح بإخراج الشركات الصينية من البورصات الأمريكية. وتعرض هذه التهديدات للخطر حوالى 300 شركة صينية قيمتها أكثر من تريليون دولار، حيث تفقد تفقد قدرتها على الوصول لأكبر الأسواق المالية، ما يؤدى لانخفاض قيمتها السوقية. وقدّر محللون أن تقييد الأسهم الصينية قد يؤدى «لبيع تصفية» بقيمة 800 مليار دولار تقريبًا. بالإضافة لذلك، تخطط إدارة ترامب لاستخدام مفاوضات التعريفات الجمركية للضغط على شركاء أمريكا التجاريين للحد من تعاملاتهم مع الصين، وفقًا لصحيفة «ووال ستريت جورنال» التى تقول إن المسئولين الأمريكيين يخططون لاستخدام المفاوضات مع أكثر من 70 دولة لمطالبتهم بمنع الصين من شحن البضائع عبر بلدانهم، ومنع الشركات الصينية من التواجد فى أراضيهم وعدم استيعاب السلع الصينية، مقابل خفض الرسوم الجمركية التى يفرضها ترامب. وقد انتقلت الحرب من التجارة للثقافة والتعليم، حيث حذرت الصين مواطنيها من زيارة أمريكا ونصحت طلابها بتوخى الحذر بشأن الدراسة هناك، وتعهدت بخفض عدد أفلام هوليوود التى تعرض فى الصين، فيما ألغت واشنطن تأشيرات بعض الطلاب والباحثين الصينيين، والذين يشكّلون ربع الطلاب الدوليين بأمريكا، ويعدّون مصدرًا حيويًا لتمويل جامعات أمريكا. حيث ساهموا فى 2023، بنحو 14٫3 مليار دولار فى الاقتصاد الأمريكى.