ليس أصعب من المهمة التي تُجبرك على مناوشة الناس، وأحيانًا مناطحتهم، لإفهامهم أن هذا مقبول وهذا مرفوض، هذا حلال وهذا حرام؛ مع التبرير لكل فعل تفعله ونأمة تقوم بها!! ولكن هذه المشقة هينة لينة على الأساتذة الجامعيين دونما باقي عباد الله؛ وذلك لأن الأستاذ الجامعي يُناوش ويُهارش عقول طلابه اليافعين الذين لا يُسلمون بالرأي الآخر إلا بعد لأي ومشقة؛ وهو ما يُقدم منتوجًا علميًّا في النهاية أقرب إلى ضوابط البحث العلمي ومرادات الفقه التجديدي الذي يسعى حثيثًا إليه الأزهر الشريف بكل شرايينه العلمية. * لا شيء يفوق هدوء الوزير سوى حركته الدائبة إلى الأمام؛ ولا شيء يُوازي حركته إلا عقله المنفتح على المنتج المعرفي الغربي، إضافة إلى جذوره السائخة في أرض التراث الإسلامي، وكأنه أحد تلاميذ الإمام الشافعي أو الإمام الليث؛ حتى إن من يقرأ كتبه أو يستمع إلى أحاديثه يشعر بانصباب نهر متدفق بالمعاني المتوضئة بالأنوار الأسنى، المغموسة بالنفحات العليا؛ وكأنها تستقطب الكلمات من معارج السماء وليس من دروب العقل وأضابير المعاجم اللغوية.. فالوزير عندما يتحدث عن الوطن يقول: "مصر وطن يسكن النص المقدس.. هي حقيقة راسخة، ومدلول عميق ينبض بالحياة في وجدان كل من عرف قدر هذه الأرض المباركة؛ إنها الكلمة التي تختزل عبق النبوة، وضياء الوحي، وامتداد الرسالات، وتاريخ لا ينفصل لحظة عن لحظات التجلي الإلهي والنفحات الربانية.. هي أرض ميقات، وأرض اصطفاء، وأرض تجلٍّ وهيبة.. هي أرض تسبيح وتوبة وإيمان".. هذه ليست كلمات وزير يُلقيها في محفل إعلامي؛ وإنما هي كلمات عالم رباني يُدرك مكانة وطنه في جذور الماضي، وثمار المستقبل، في قلوب العارفين، وأقلام الكاتبين؛ ثم يقوم بإيصال هذه المعاني إلى جمهور المتابعين فيخلق حالة من اللحمة الوطنية المعرفية المتأصلة؛ بعيدًا عن تلك الشكليات الفارغة والزعيق الأجوف؛ وهو ما يجب أن نعمل على ترسيخه بقوة في عقول أبنائنا، في هذا الوقت الذي تختطف فيه هويتهم غوائل العولمة وأنياب الميديا. * دائمًا ما تكون هيئة المرء مدخلًا إلى إدراك زوايا شخصيته؛ وهيئة وزير الأوقاف د. أسامة الأزهري في هندامه المنمّق وعمامته التي تُشعرك أنها تُعانق السماء، تُنبئ أن ها هنا عالمًا نحريرًا يملك أدواته البحثية المنقبة عن الفكرة بين طيات الحياة وخبايا الوجود؛ بالاستدلال العقلي تارة، فقد درس اثني عشر علمًا أزهريا من العلوم القديمة، وهي ميزة في التأصيل العلمي تكاد ألا تتوافر في كثير من خريجي الأزهر الآن؛ وبالنظر في ملكوت الله وأسرار مخلوقاته تارات أخرى كثيرة.. وهذا الجانب الأخير مُعتبر عند أهل العلم والمعرفة؛ فلو كان الدين بالرأي وحده لمسحنا باطن الخُفّ وليس ظاهره، ولما عفّرنا وجوهنا بالتراب في التيمّم إذا ما أردنا الطهارة للقاء الله. حالة من السكينة والهدوء رانت على أئمة المساجد منذ أن تولى د. الأزهري مسئولية الأوقاف؛ فقد قرَّت بلابلهم بعد اضطراب، وسكنت بعد قلق؛ وتزينت المنابر بأحد بُلغاء الخطابة الذي تجري العربية رقراقة على لسانه فلا يكاد ينحرف حرف عن مخرجه الذي خلقه الله له.. وهو ما يقول إن مستقبل وزارة الأوقاف سيكون على قدر ثقافة عمامة الوزير. [email protected]