وحدها الخيمة ذات الأوتاد الناشبة في جذور الأرض تستطيع مقاومة عاتيات الرياح؛ وقد تأسست أوتاد مصر منذ بدء الحضارة؛ فكان لها جيشها الوطني، وكانت لها مؤسساتها الدينية التي تحميها من غائلة الآثمين وتهديها إلى الطريق المستقيم. ومنذ تأسيسه كان الأزهر الشريف هو الحصن الذي تتكسر عليه أطماع المحتلين وادعاءات المتخاذلين؛ فقد جمع الأزهر بين العلم والعمل؛ بين ارتقاء المنابر وامتطاء المدافع؛ فيكتب التاريخ أن دماء أبنائه قد سالت، طيبة، زكية، من أجل حريته ودفع الضيم عنه في حرب العاشر من رمضان؛ وقد ضرب مشايخ العلماء وشباب الطلاب، على السواء، أروع الأمثلة في التضحية والفداء؛ دونما افتئات على الجانب العلمي الذي جمع بين العلوم الشرعية والعلوم النظرية؛ وأضحى أبناؤه يملأون الدنيا سفراء خير لمصر، ونماذج مضيئة يهتدي بها شباب العالم الإسلامي. وفي هذه الأيام تمر خمسة عشر عامًا على تولي الإمام الأكبر، د. أحمد الطيب، مشيخة الأزهر الشريف، قدّم خلالها ما يبتهج به المسلمون وتلهج به ألسنتهم: فكرًا تنويريا، وقدوة حسنة، وتواضعًا رفيعًا، وتشابكا مع قضايانا المعاصرة التي تشغل الشباب؛ ولا يزال يبذل جهده وعلمه في خدمة الأمة الإسلامية ورفع الضيم عنها؛ وبث الأمل في نفوس أبنائها؛ وإيقاظ الضمائر الإنسانية المنتكسة للمنظمات العالمية؛ والنفخ في جذوة التماسك العربي والإسلامي لمساعدة القضية الفلسطينية. ومنذ تأسيسها بتوجيه من الرئيس الشهيد محمد أنور السادات، لمواجهة التطرف من ناحية والانفلات من ناحية أخرى، تبذل جريدة "اللواء الإسلامي" طاقتها وتقدم دعمها الكامل للمؤسسات الدينية في رفع درجة الوعي في الشارع المصري والعربي والإسلامي بالقضايا الإسلامية المصيرية؛ تقتحم المناطق الشائكة، وتناقش، وتتشابك، وتُحارب أحيانًا، لتنفي الزيف عن صحيح الدين وتدعم التمسك بوسطيته.. ولقد تولى مسئولية تحرير هذه الجريدة العريقة أساتذة كبار، أسعدني الحظ بالتعاون مع بعضهم: محمود حبيب، وعبد المعطي عمران، وأحمد عطية صالح، رحمهم الله جميعًا؛ حتى تم تكليفي بتولي مسئولية تحرير هذه المطبوعة العريقة؛ وإنني أعد القارئ الكريم ببذل المزيد من الجهد مع زملائي لتقديم وجبة تنويرية تليق بتاريخنا العريق؛ حتى إنني تلقيت عشرات الاتصالات تقترح إعادة أبواب قديمة خبت من الجريدة، واقتراحات أخرى بإضافة أبواب جديدة، مع بعض التعديل في الإخراج الصحفي؛ وكذلك رغبة مئات الكتَّاب في النشر.. وهو الأمر الذي بثّ في كتيبة التحرير بواعث الأمل وشدّ سواعد العمل لمزيد من الإبداع والتطوير.. وكل ذلك في إطار المنهج الأزهري الوسطي الذي ينفخ فيه الإمام الأكبر وأبناؤه من أرواحهم الطاهرة ما يبقيه حصن الأمان للأمة الإسلامية. في هذه المرحلة الجديدة لا يُمكن أن أنسى تلك الصفحة الدينية المتوضئة بجريدة الأخبار التي كان يُحررها الأستاذ الكبير عبد الوارث الدسوقي، رحمه الله، والتي أضاءت الطريق أمام الصحافة الدينية المصرية وفتحت لها مجال الارتقاء الإبداعي. تحية إلى أوتادنا المعرفية الراسخة.. وعلى الدرب نسير.