بهذه الكلمات عبرت إحدى السيدات السودانيات التي كانت تضع أطراف أناملها على حافلة العودة الطوعية إلى بلادها التى انطلقت من شارع فيصل بالجيزة، ومن المقرر أن تصل إلى الولاية الشمالية فى السودان بعد انتصارات عسكرية مهمة حققها الجيش السوداني استعاد بمقتضاها العاصمة الخرطوم وغالبية مناطق الوسط وضيق حصاره على الدعم السريع فى إقليم دارفور. خلال الأيام الماضية توالت رسائل الشكر والتقدير التى عبر عنها سودانيون لمصر حكومة وشعباً على استقبالهم منذ اندلاع الحرب التى دخلت عامها الثالث قبل أيام، هؤلاء ظلوا يتذكرون الأيام الصعبة التى مروا بها بدءاً من الهجمات البربرية التى شنتها عليهم مليشيات الدعم السريع بعد أن كانوا آمنين فى بيوتهم، وصولا إلى هروبهم نحو الحواجز الأمنية على الحدود المصرية السودانية ثم دخولهم الأراضى المصرية واستقرارهم فى محافظات ومناطق مختلفة، تعايشوا فيها مع المصريين وقضوا فيها أياما وليالى بحلوها ومرها لكنها تركت فى نفوسهم تجربة من الصعب نسيانها. بحسب منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة فإن 72 ألف سوداني عادوا إلى بلادهم طوعا من مصر خلال الربع الأول من هذا العام، وارتفع متوسط العودة شهريًا إلى سبعة أضعاف مقارنة بأشهر 2024، وأشار التقرير الصادر حديثا إلى أن العائدين طوال العام الماضى وصلوا إلى 42 ألف شخص تقريبا، وذلك من بين 1.5 مليون سودانى فروا إلى مصر من جملة 3.9 مليون شخص عبروا الحدود إلى دول الجوار منذ اندلاع النزاع فى 15 أبريل 2023. سبقت رسائل الشكر والثناء التى وجهها أشقاؤنا فى السودان أخرى مماثلة من السوريين الذين عاد جزء منهم إلى بلدهم مرة أخرى فى أعقاب سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، ومازالت تعلق فى الأذهان تدوينة كتبها شاب سورى يدعى لؤى نبيل يقيم فى الإسكندرية ولديه محل لبيع الملابس افتتحه قبل 5 سنوات قال فيها: «غدا تعود سوريا ونكتب على الحدود مسموح دخول المصريين فقط»، مما يعبر عن حجم المودة والحب الذى تركه المصريون في نفوس من فروا هاربين من ويلات الحروب والصراعات المسلحة التى جرى فرضها على الأبرياء، بمقتضاها عانوا أزمات النزوح واللجوء بحثا عن أرض طيبة يمكن أن تخفف عنهم صعوبة ما مروا به. بعيدا عن لغة الأرقام التى تتحدث عن استقبال مصر أكثر من 9 ملايين مهاجر ولاجئ من جنسيات مختلفة، فإن رسائل الأخوة والثناء والتقدير التى جاءت على لسان الأشقاء تبقى مكسبا يفوق أى تبعات قد يراها البعض سلبية من تواجد الفارين من دول الصراع على الأراضى المصرية، إذ إن هذه الكلمات تأتى فى وقت يصب هؤلاء لعناتهم على أطراف أخرى كانت شريكة فى المؤامرة على بلدانهم، فهم يدركون من الذى وقف معهم وقت الشدة ومن الذى استفاد من تجارة الحروب وعمل لصالح قوى إقليمية معادية لتفتيت وتقسيم الدول العربية وتخريبها. نتائج هذه المواقف يمكن القول بأنها بدأت تظهر الآن، ويمكن قياس سلوك جمهور فريق الهلال السودانى أثناء مواجهة النادى الأهلى فى الأدوار الإقصائية من دورى أبطال إفريقيا مؤخراً، إذ كانت لافتة «شكرا مصر» بارزة بين المشجعين الذين عبروا عن امتنانهم لمصر وشعبها فى حين أن آخر مباراة بين الفريقين قبل اندلاع الحرب كانت شاهدة على بعض أشكال التوتر، صوره البعض بكونه شبيها لما حدث فى أحداث مباراة مصر والجزائر الشهيرة فى تصفيات كأس العام 2010. على مدار سنوات طويلة وظف تنظيم الإخوان الذى كان له نفوذ قوى فى السودان قبل سقوط نظام الرئيس الأسبق عمر البشير أى مشكلة أو عارض يحدث بين البلدين فى النفخ فيها بحثا عن إثارة النعرات بما لا يخدم المصالح القومية بيننا وبين السودان ورسم صورة مشوهة عن المصريين وحكومتنا، غير أن هذا تبدد بصورة كبيرة الآن ولم تعد الصورة كما هى بخاصة بعد أن قدمت الدولة المصرية كافة أشكال الدعم لاستعادة الدولة السودانية ومؤسساتها. على المدى البعيد فإن موقف احتضان اللاجئين لسنوات قبل عودتهم مرة أخرى إلى بلادهم عقب انزواء الأخطار والمهددات سيكون بمثابة قوة ناعمة جديدة تبنى جدار الثقة والتعاون والتآخى بين الشعب المصرى والشعوب العربية، التى سيكون التعويل عليها مهما للوقوف أمام المؤامرات الخارجية ومساعى تغيير وجه الشرق الأوسط كما يدعى البعض، لتظل هناك نقاط التقاء شعبية بين أبناء المنطقة تتعارض مع خطط التفتيت والوقيعة الراهنة.