منذ بدأت العمل فى مجال الصحافة العلمية قبل نحو خمسة وعشرين عامًا، وأنا أنشر أبحاثًا تزعم تحقيق نتائج مذهلة فى علاج السرطان على الحيوانات. لكن، وعلى مدار كل هذه السنوات، لم يتحول أى من هذه الاكتشافات إلى اختراقٍ علاجى فعلى يخلص البشرية من هذا المرض المخيف. وظل سؤال يؤرقني: هل كنت شريكًا، دون أن أدرى، فى بيع الوهم للناس؟.. وبعد سنوات من الحيرة، توصلت مؤخرًا إلى إجابة مؤلمة مفادها: «ليس كل ما يُنشر فى الدوريات العلمية صحيحًا، فالنشر فى حد ذاته لا يمنح صكًا بالمصداقية، وعلينا أن نتعامل مع ما يُنشر، حتى فى الدوريات المرموقة، بعين ناقدة، لأننا وصلنا إلى مرحلة خطيرة من الفبركة العلمية». فما الذى قادنى إلى هذه النتيجة الصادمة؟.. الفضل فى ذلك يعود إلى الدكتور محمد شعبان، الأستاذ المصرى بجامعة «تشونغ تشنغ الوطنية» فى الصين، والذى يكرس صفحته على «فيسبوك» لرصد مخالفات النشر العلمى، فمن أخطر ما نشره مؤخرًا وأعطانى هذه الإجابة الغائبة، ما حدث مع مجلة «فورنتيرز إن فارمكولوجي»، وهى من المجلات المصنفة ضمن الطبقة الأولى، فقد سحبت المجلة فى 25 يناير الماضى بحثًا نشر قبل عامين حول أدوية علاج السرطان، بعد اكتشاف تلاعب فى الرسومات البيانية المصاحبة للدراسة. لكن الفضيحة الحقيقية ظهرت أثناء التحقيق، حين اكتشف أن المحرر الذى «وافق» على نشر البحث، لم يوافق عليه فى الأساس، لأنه لم يشارك أصلًا فى مراجعته!.. كيف حدث هذا؟ بحسب رواية البروفيسور شعبان، كانت المجلة قد قررت تخصيص عدد خاص فى تلك السنة، تُنشر فيه خمسة أبحاث يختار مؤلفوها المحكمين والمحررين بأنفسهم، على أن تتولى المجلة التواصل معهم لإتمام عملية المراجعة. لكن ما حدث هو أن فريق البحث قدم بريدًا إلكترونيًا وهميًا باسم «المحرر»، وهو فى الواقع بريد يخضع لسيطرتهم، فوافقوا من خلاله على النشر بأنفسهم، والمحرر الحقيقى لم يكن له علاقة بالدراسة مطلقًا، ولم يعرف شيئًا عنها إلا عندما تواصلت معه المجلة للتحقيق. هكذا، وصلت أزمة النزاهة العلمية إلى مستوى متدنٍ وخطير، وتحول النشر الأكاديمى من وسيلة لنشر المعرفة إلى تجارة بائسة هدفها الربح، وضحاياها كُثُر، ومنهم صحفيون مثلى يُخدعون فى هذه الدراسات ويسارعون لترويجها، ومرضى يتمسكون بخيوط وهمية من الأمل.