مخاوف تتجدد وأحداث متتالية من العنف والتطرف، تتأجج أحداثها على مستوى كلا الحزبين المتعارضين في الولاياتالأمريكية، اليمين الجمهوري الداعم للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب يرى أن الفرصة سانحة لتغيير الخريطة السياسية والاجتماعية تبعًا لتوجهاتهم ونظراتهم فتنطلق جماعات النازيين الجدد أو جماعات اليمين المتطرف لتنفيذ أفكارهم وهجماتهم، أما اليسار الديمقراطي يرى افراده أن المعارضة يجب أن تكون اكثر قوة وعنفًا فيبرز دور اليسار المتطرف لمهاجمة كافة رموز الجمهوريين. منذ اسابيع قليلة عرضت عدد من وسائل الاعلام الأمريكية والبريطانية خطط وأسرار جماعات النازيين الجدد شديدة العنف والتطرف، وأشارت التقارير إلى أن تلك الجماعات تشعر أن اللحظة حانت لتغيير كل شيء وبالطبع كانت مواقع الإنترنت وغرف الدردشة لليمين المتطرف هى الطريق المليئ بتبادل الآراء والانشطة لاستغلال السنوات الأربع المقبلة، وبعد مرور أسبوع واحد للإدارة الثانية لدونالد ترامب اقتنع نشطاء اقصى اليمين والنازيين الجدد؛ أن السنوات الأربع القادمة هى افضل وقت للتنظيم، وقال احد الناشطين عبر غرفة متخصصة بتليجرام في منشور حصد أكثر من ألف مشاهدة خلال دقائق: «استعدوا للسنوات الأربع القادمة، وتسللوا إلى المؤسسات القائمة بالسلطة، وابنوا مؤسسات جديدة، لدينا مساحة للتنفس، لدينا فرصة للقضاء على أي توجه يساري»، وجاء في منشور آخر «اليسار مُنهك، وليس لديه أى شعبية، والآن الوقت المناسب للانتقال من الدفاع إلى التنظيم والهجوم عبر التحرك السريع». تفكيك اليمين أشارت التقارير إلى أن السنوات الاربع الماضية تضمنت محاولات لإدارة بايدن التي سيطرت على مكتب التحقيقات الفيدرالي لضمان تفكيك الجماعات المتطرفة اليمينية من كل نوع بشكل عدواني، إلى جانب التحقيقات المكثفة التي بدأت منذ السادس من يناير في واقعة اقتحام الكونجرس الأمريكي والتي أسفرت عن اعتقال الآلاف من المشتبه بهم، وووصلت الرقابة إلى حد التدخل في غرف الدردشة عبر الإنترنت؛ حيث قامت شركات التكنولوجيا الكبرى بحظر تلك الجماعات والإبلاغ عنهم إلى السلطات، وعلى مدار السنوات الاربع الماضية اصبحت الثقافة السائدة تتهمهم بالسلوك العنصري المتطرف، لكن الأمور اختلفت منذ اليوم الأول من رئاسة ترامب حين أصدر عفوًا عن 1500 شخص متورطين في هجوم السادس من يناير. دفع فوز ترامب جماعات النازيين الجدد للدعوة إلى أعمال عنف إرهابية للسيطرة على المجتمع وبدأت بالاحتفال بنهاية حكومة أمريكية يسيطر عليها الديمقراطيون، وبدء عصر جديد يدعون فيه إلى تفضيل العرق الابيض واستغلت الجماعة الإرهابية النازية الجديدة المحظورة والتي تسمى «القاعدة» يوم تنصيب ترامب لتتفاخر بشكل غير مباشر من خلال نشر صور على العديد من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي لتجمعات اكبر عدد من أعضائها المقيمين في الولاياتالمتحدة في صورة لم تنشر منذ فترة طويلة، حيث بدت تلك الجماعة خلال فترة رئاسة بايدن وكأنها انتهت تماما بعد أن استهدفت من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي حيث ألقي القبض على أكثر من اثنى عشر من أعضائها لتورطهم في قائمة طويلة من الأنشطة الإرهابية في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة وأوروبا. اقتحام لينكولن مشهد آخر برزت فيه احتفالات النازيين الجدد وهم يجوبون مدينة لينكولن هايتس الهادئة وهى تلك المدينة التي تأسست في عام 1923 لتضم عائلات المواطنين السود الهاربين من الجنوب -كما تصفهم الصحف الأمريكية- وتعد أول مجتمع أمريكي إفريقي يتمتع بالحكم الذاتي داخل الولاياتالأمريكية، حيث لا توجد إدارة شرطة مستقلة، وتعتمد بشكل أساسي على مكتب عمدة مقاطعة هاملتون دون تواجد شرطي حقيقي، ويؤكد السكان إن البلديات المحلية لم تقدم لهم خدمات امنية كافية بعد حل إدارة الشرطة التابعة لها عام 2014 لتصبح تحت سلطة عمدة مقاطعة هاميلتون. استهدف النازيون الجدد المدينة الهادئة ليتجولون في جماعات ملثمة، ملوحين بأعلام الصليب المعقوف وهم يتفوهون بألفاظ نابية عنصرية على جسر طريق سريع للمدينة، يتوعدون السكان بالابادة والعنف، ومن هنا تغيرت احوال المدينة الهادئة، لجأ السكان إلى الشرطة بعد شعورهم بالخوف من حادث ارهابي جديد أو إبادتهم على يد النازيين الجدد تنفيذًا لنداءاتهم العنصرية. دوريات مسلحة في البداية استجابت الشرطة لبلاغات سكان المدينة واستمعت إلى مخاوفهم لكنها لم تُنفذ أي اعتقالات بحق عناصر اليمين المتطرف، ولم تُسجل الشرطة أي أسماء أو معلومات حول افراد عناصر الجماعة النازية، انتقلت عدسات وسائل الاعلام نحو المدينة لتكشف معاناة سكانها ممن اكدوا انهم يشعرون بشكل دائم بانتهاك استقلاليتهم، دون وجود حقيقي للشرطة المحلية التي عجزت عن بذل جهد كافي للحفاظ على النظام، في النهاية لم يُعتقل أو تُوجه اتهامات لأحد في مظاهرة النازيين الجدد ليثير المزيد من مشاعر الاحباط بين العديد من سكان المدينة. قرر احد سكان المدينة ويدعى دارونس دانيلز، إنشاء فريق كبير يُسمى «مجموعة السلامة والمراقبة» وبالفعل أسس مجموعات مسلحة شعبية لحماية سكان المدينة لتقديم المزيد من الحماية للسكان بدلا من اللجوء للشرطة، واكد دانيلز إن رد فعل الشرطة كان مثيرًا للغرابة والقلق بشكل يماثل غرابة ظهور جماعات النازيين الجدد في المدينة، مما جعل السكان يشعرون بأنهم لن يتمتعوا بالحماية؛ إذا قامت مجموعة كراهية بزيارة مدينتهم مرة اخرى أو إثارة اعتداءات على سكانها، لم يصل سكان مدينة لينكولن هايتس لأى حلول لمواجهة جماعات النازيين الجدد سوى الانضمام لمجموعات منظمة تتولى مهمة المراقبة المسلحة في الحي بعد مظاهرة النازيين الجدد التي تسببت في اضطراب امني هائل في المدينة. السكان مسلحون نفى دانييلز أن يكون برنامج المراقبة فوضوي ميليشيا أو منخرطا في أعمال انتقامية، حيث اثارت التقارير وجود افراد قاموا بإيذاء المارة والتحكم في تحركاتهم، إلا أن دانيلز اكد انهم سكان غير تابعين لبرنامج المراقبة وقال لصحيفة واشنطن بوست : «لينكولن هايتس موطننا، إذا اقتحم أحدهم منزلك واتصلت بالشرطة، فأجابت انهم لا يخالفون القانون في الواقع ماذا ستفعل؟ التزمت الشرطة الصمت التام، لا أعرف ماذا أسمي ذلك، مثل هذا لا يمكن أن يحدث في أي مكان آخر». يضم برنامج الحماية الشعبية الذي اسسه دانيلز في المدينة حوالي 70 شخصًا مسلحًا يراقبون الطرق المؤدية إلى المدينة ويقومون بدوريات مسلحة حيث يسمح قانون ولاية أوهايو لأي شخص يمتلك سلاحا برخصة قانونية أن يحمله علانية دون تصريح، وتقوم المجموعة بتكوين دوريات بالقرب من محطات الحافلات للتأكد من ذهاب الطلاب إلى المدرسة، وأظهرت مقاطع فيديو القنوات الاخبارية أشخاصا مسلحين وهم يحملون معداتهم ويغطون وجوههم أثناء قيامهم بدوريات في الشوارع. مواطنون ملثمون اقترب موقع «ان. بي. سي» من المشهد وسجل يوميات احد مواطني المدينة الذي تولى مهمة حماية مدينته بدلا من الشرطة وعلى مدار الشهر الماضي، كان «جاي»، احد سكان المدينة يستيقظ قبل شروق الشمس ليجوب شوارع لينكولن هايتس بسيارته، ويقوم بدوريات امنية بالقرب من محطات حافلات المدارس للتأكد من وصول الأطفال إلى المدرسة بأمان، مؤكدا أن مجتمع تلك المدينة مترابط للغاية. المواطن «جاى»، متطوع مسلح يعمل في برنامج السلامة والمراقبة، وهي المبادرة التي بدأت منذ 7 فبراير بعد هجوم النازيون الجدد لفظيًا على سكان المدينة في مظاهرة اثارت مخاوفهم، «جاى» بالنسبة لسكان المدينة قرر التضحية بحياته الخاصة لحماية سكان المدينة واطفالها ولكن بالنسبة لأي شخص خارج المجتمع، فظهوره ملثم مرتديًا غطاءً للوجه وسترة واقية وهو مسلح مقررا إخفاء اسمه الحقيقي لتجنب مضايقات الجماعات المتطرفة هو امر غريب يعكس مأساة ضعف قوة الشرطة واللجوء إلى ميليشيات شعبية مسلحة لحماية سكان المدينة. يعلق جوشوا فيشر بيرش، وهو محلل متخصص في شئون الإرهاب في مشروع مكافحة التطرف في نيويورك: «مخاطر جماعات اليمين تتزايد، ترى هذه الجماعات أن السنوات الأربع المقبلة عبارة عن مزيج من الإيجابيات والسلبيات، ولكنها في المجمل فرصة لتوسيع حركتها، تركز الجماعات اليمينية المتطرفة على عمليات الترحيل الجماعي وتسعى إلى كسب المزيد من المجندين للتركيز على قضاياهم وتنفيذ مخططاتهم العنصرية». اقرأ أيضا: رسم شعار النازية بمصعد داخل مقر وزارة الخارجية الأمريكية