محمد إسماعيل لم يتخيل عمر الشريف ابن مدينة الاسكندرية أنه سيكون واحدا من أهم نجوم السينما المصرية، بل والأغرب أن يكون الواجهة الفنية المصرية الأولى للسينما المصرية والعربية في العالم لعقود طويلة، ويصبح اختيار مفضل للمخرجين والمنتجين من هوليوود وحتى اليابان مرورا بالقارة الأوروبية والآسيوية.. لم يكن التمثيل طموحا لعمر الشريف، فهو حتى لم يشاهد أفلاما مصرية في السينما، لكن خلال دراسته كانت له العديد من التجارب على المسرح المدرسي، لذلك عندما عرض عليه زميل دراسته المخرج يوسف شاهين - الذي رافقه في مدرسة "فيكتوريا كوليدج" بالإسكندرية – التمثيل، حيث كان يبحث عن وجه جديد ليقدم بطولة فيلم "صراع في الوادي" أمام فاتن حمامة عام 1954، ووجد ضالته في صديقه الشاب الوسيم الذي تحلى بكل مقومات البطولة، ليقدمه للسينما، وتردد عمر كثيرا، وصاحب هذا التردد رفضا من عائلته الأرستقراطية، إلا أنه مع إلحاح شاهين ومغريات السينما، وافق الشريف، ليعلن شاهين عن ميلاد نجم مصري ينافس نجوم هذا الجيل، مثل شكري سرحان وكمال الشناوي. بعد تخرج عمر، عمل مع والده لفترة، ثم سافر إلى لندن لدراسة التمثيل في الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية، ثم عاد إلى مصر لينطلق سهمه الفني سريعا بعد ذلك، حيث قدم العديد من الأدوار المتنوعة، ولم تحصره وسامته في أدوار بعينها، فقد كان حريصا على الابتعاد عن الشخصيات النمطية أو القالب الرومانسي فقط، وساعده على ذلك عمله مع كبار المخرجين وقتها، فقدم مع يوسف شاهين "صراع في الميناء"، ومع عز الدين ذو الفقار "نهر الحب"، ومع عاطف سالم "صراع في النيل"، والفيلم الذي يعتبر واحد من أهم أفلام السينما المصرية، ومن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما فيلم "في بيتنا رجل" الذي قدم خلاله شخصية شاب نجح في اغتيال رئيس الوزراء المتعاون مع الاستعمار الإنجليزي، حيث لعبت الصدفة لعبتها في حياة عمر الشريف للمرة الثانية، وكان هذا الفيلم "وش السعد" عليه وبداية لانطلاقته في السينما العالمية، وذلك حينما حضر المخرج ديفد لين إلى القاهرة من أجل اختيار ممثل عربي يقدم شخصية الشاب العربي في فيلم "لورانس العرب"، وأنه جاء خصيصا للفنان رشدي أباظة، لكن تردد أن رشدي رفض إجراء اختبار تمثيل للفوز بالدور، وفي رواية أخرى أنه عدل من رأيه ومنح الدور لعمر الشريف بعدما شاهد أداءه في فيلم "في بيتنا رجل" عام 1962، لتكون بوابته في السينما العالمية. ويعتقد الكثيرون أن مشوار عمر الشريف في السينما العالمية بدأ ب"لورانس العرب"، لكن عمر مثل في أثناء سفره في الخارج للدراسة في فيلمين فرنسيين، هما "المهمة اللبنانية" و"جحا"، وكان الفضل فيما وصل له عمر يرجع إلى عمه الذي شجعه على حب الفنون والتمثيل، وكان عمر ينتظر يوم الأثنين بفارغ الصبر حتى يذهب مع عمه ليشاهد فيلم أجنبي في السينما، بالإضافة إلى الصالونات الشعرية والندوات. ورشح الشريف عن دوره في فيلم "لورانس العرب" لجائزة "الأوسكار أفضل ممثل مساعد"، ونال جائزة "الكرة الذهبية" عن نفس الدور، فضلا عن الشهرة التي نالها بعد أدائه هذا الدور، حيث أصبح نجما مشهورا في أمريكا وأوروبا. في السينما المصرية شكل عمر وفاتن حمامة، ثنائي من أفضل الثنائيات في كلاسيكيات السينما المصرية، واجتمعا في عدد من الأفلام، هي "أيامنا الحلوة" عام 1955، "صراع في الميناء" عام 1956، "لا أنام" عام 1957، "سيدة القصر" عام 1958، "نهر الحب" عام 1961، "أرض السلام" عام 1957، ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 1965 قام ببطولة 21 فيلماً مصرياً، أهمها "إحنا التلامذة" و"من أجل امرأة" عام 1959، "إشاعة حب" و"بداية ونهاية" عام 1960، و"غرام الأسياد" عام 1961. وقدم بعد عودته إلى مصر من رحلته الطويلة في السينما العالمية وحتى وفاته 6 أفلام مصرية، هي "أيوب" عام 1983، "الأراجوز" عام 1989، "المواطن مصري" عام 1991، "ضحك ولعب وجد وحب" عام 1993، "حسن ومرقص" عام 2008 و"المسافر" عام 2010. وفي السينما العالمية، وبعد "لورانس العرب"، شجعت موهبته المخرج ديفيد لين أن يمنحه دورا أكبر وهو "الأمير علي" الذي كان مفتاح دخوله لعالم جديد، فتعلم مهارات زادت من ثقل موهبته في التمثيل، وحصل على خبرة من النجوم العالميين المشاركين مثل بيتر أوتول، أنتوني كوين وأليك غينس. وبعد نجاحه في "لورانس العرب"، أكمل عمر الشريف مشواره مع السينما العالمية، وقدم تجارب مختلفة، تاركا رصيدا سينمائيا ضخما من الأعمال في مختلف دول العالم ما بين أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وحتى اليابان. وبسبب موهبته وإتقانه الفريد للعديد من اللغات الأجنبية وحصوله على عدة جوائز عالمية، فتحت أمامه الأبواب لدخول قلعة السينما العالمية في هوليوود، فظهر في أفلام أمريكية شهيرة مثل "انظر الحصان الشاحب"، "سقوط الإمبراطورية الرومانية" عام 1964، "جنكيز خان" عام 1965، "الفتاة المرحة" عام 1968، "ذهب ماكينا" و"الموعد" و"تشي غيفارا" عام 1969، "الوادي الأخير" و"الفرسان" عام 1971، "مهارة عالية" عام 1974، "سيدة مرحة" عام 1975، "أشانتي" عام 1979، "رصاصة بلتيمور" و"الكلب السماوية" عام 1980، "سري للغاية" عام 1984، "مفاتيح الحرية" عام 1988، "جبال القمر" عام 1990، "الجنة قبل أن أموت" عام 1998، "المحارب الثالث عشر" عام 1999، "هيدالغو" عام 2004، "ليلة واحدة مع الملك" عام 2006، و"10000 قبل الميلاد" عام 2008. كما اشتملت قائمة أفلامه البريطانية على 5 أفلام، هي "لورانس العرب" 1962، "الرولز رويس الأصفر 1964، "الثلج الأخضر" 1980، "سارق قوس قزح" 1990، و"ضابط الإفراج المشروط 2001، وفي قائمة أفلامه الإيطالية 4 أفلام هي "أكثر من معجزة" 1967، "رحلة حب" 1990، "ما بعد العدالة" 1992، و"نار في قلبي" عام 2006. وفي قائمة أفلامه الفرنسية 7 أفلام: "3 رجال على حصان" عام 1969، "الحق في الحب" عام 1972، "الممسوسون" عام 1988، "الأم" عام 1991، "شارع الجنة 588" عام 1992، "السيد إبراهيم وازهار القرآن" عام 2003، و"قلعة في إيطاليا" عام 2013.. أيضا شارك في السينما الألمانية عام 1976 بفيلم "الجريمة والعاطفة"، وفي السينما اليابانية فيلم "الخطيئة السماوية" عام 1982، وفي السينما الهندية فيلم "سينسور" عام 2001.. ولعمر الشريف أفلام أخرى ذات إنتاج أمريكي أوروبي مشترك مثل "مغامرة ماركو بولو الرائعة" عام 1965، "الخشخاش هو أيضا زهرة" عام 1966، "ليلة الجنرالات" عام 1967، "مايرلينغ" عام 1968، "اللصوص" عام 1971، "بذور التمر الهندي" عام 1974، "النمر الوردي يضرب مجددا" عام 1976، "سلالة" عام 1979، "الهرم الأزرق" عام 1988، "نسيت أن أخبرك" عام 2009، "روك القصبة" عام 2013. كما قام بتمثيل أدوارٍ كوميدية منها دوره في فيلم "Top Secret" عام 1984. ويعتبر دوره في فيلم "دكتور زيفاغو" في عام 1965، أمام جولي كريستي وجيرالدين شابلن، من أهم أعماله العالمية، وتدور أحداثه في السنوات التي سبقت الثورة الروسية وفي أثنائها وبعدها من خلال طبيب وشاعر يتعلق بامرأتين. وفي السينما المصرية يعتبر فيلم "المواطن مصري" للمخرج صلاح أبوسيف عام 1991 من أهم أعماله، وتتمثل عبقرية عمر أنه رغم من إقامته خارج مصر لسنوات طويلة، ورغم كونه من أسرة مصرية ثرية لا علاقة لها بالريف، فإن موهبته جعلته يجيد تقديم شخصية العمدة في الفيلم. وفي عام 2013، قدم الشريف آخر عمل سينمائي طويل له من خلال الفيلم المغربي الفرنسي "هز القصبة" Rock the Casbah"، الذي تدور أحداثه خلال 3 ليال، حيث يتوفى خلالها الأب تاركا خلفه أسرة مكونة أغلبها من النساء، وبعد وفاته يظل مستمرا في الحياة من خلال الحكاية التي يرويها كما يحضر أيضا طقوس الاستعدادات لدفنه.. الفيلم شارك فيه عدد كبير من نجوم السينما العربية، ومنهم الفلسطينية هيام عباس، واللبنانيتان نادين لبكي ولبنى الزبال، والمغربية راوية سالم، ليرحل العالمي عمر الشريف تاركا خلفه سجلا مشرفا من الاعمال الفنية ورصيد تجاوز 116 فيلما مصريا وعالميًا. اقرأ أيضا: