تُعد اللوحات الجنائزية من أبرز الشواهد على المعتقدات الدينية والفنية في مصر القديمة، حيث تجمع بين الرمزية والروحانية والتفاصيل الجمالية. ومن بين هذه التحف النادرة، تبرز لوحة منشدة آمون "تا خعي"، المعروضة حاليًا في المتحف الوطني بفلورنسا، باعتبارها مثالًا غنيًا على العلاقة الوثيقة بين الإنسان والآلهة في رحلة الخلود، وما تحمله من طقوس التطهير والتجلي الروحي. ** مشهد علوي مهيب: طقس الصلصلة أمام أوزير اقرأ أيضا | أصل الحكاية| المستحضرات الطبيعية في مصر القديمة.. روعة في إظهار الجمال| صور في الجزء العلوي من اللوحة، تظهر المتوفاة "تا خعي" وهي تؤدي طقس هز الصلصلة المقدسة أمام الإله "أوزير"، رب العالم الآخر، في طقس يُعبر عن التقديس والتطهير، خلف أوزير، تقف الإلهتان "إيزة" و"نبت حوت"، وهما شقيقتا أوزير، في دور الحارستين والداعمتين للموتى في العالم الآخر. في الخلفية، يبرز رمز الغرب "إمنتت"، وهو الرمز الذي يشير إلى مملكة الأموات، في تذكير بالمصير الأبدي للروح. ** المشهد السفلي: شجرة الحياة وروح الخلود في أسفل اللوحة، نرى "تا خعي" راكعة على الجانب الأيمن، تتلقى ماء التطهير من الإلهة "حتحور"، التي تظهر في هيئة سيدة تحمل إناء التطهير المقدس. أمامها، نرى روح المتوفاة في هيئة طائر برأس إنسان – المعروف باسم "بع"، وهي تشرب من الماء المنسكب، في مشهد يدل على تجدد الحياة. من وسط شجرة الجميز، تظهر "حتحور" مجددًا، وهذه المرة في شكل سيدة برأس بقرة، وهي واحدة من أبرز تجلياتها الرمزية، حيث ترتبط بالشجرة كرمز للحماية والبعث. ** رمزية الجبل والشجرة: تظهر شجرة الجميز واقفة بين ضفتي الجبل، وهو رمز هام في الفكر المصري القديم، يمثل بوابة الانتقال بين العالم الأرضي والعالم الآخر، وبين الحياة والموت، هذه التفاصيل الدقيقة توضح مدى تعقيد الفكر الديني والجنائزي عند قدماء المصريين. لوحة "تا خعي" ليست مجرد عمل فني جنائزي، بل هي سجل بصري يروي عقيدة المصري القديم، ومفاتيح الخلود التي كان يسعى لها عبر الطقوس والتجليات الإلهية. ويُعد عرضها في المتحف الوطني بفلورنسا فرصة هامة لزوار المتحف للتأمل في جماليات وروحانيات الحضارة المصرية الخالدة. اقرأ أيضا | تفاصيل الكشف الأثري الجديد بالأقصر